دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون

ملخص أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق
دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون
مقاربة سوسيوقانونية من خلال دعوى الالغاء بسبب تجاوز السلطة[1]
إعداد: د /عبد الواحد القريشي
أستاذ باحث كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
أولا: تقديم أولي.
                يمكن تعريف دولة الحق و القانون بأنها تلك الدولة التي تخضع فيها السلطة العمومية للقانون، و قد ذهب الفقيه HANS KELESEN إلى اعتبارها بأنها الدولة التي تخضع فيها القواعد القانونية لتراتبية هرمية بشكل يحدد قوة كل قاعدة حسب موقعها،        و مدى مطابقتها للقاعدة الأسمى[2].
         إن دولة الحق و القانون لا يمكن أن تتحقق بخضوع السلطات العمومية للقواعد القانونية ، و احترام تدرج القواعد القانونية فقط بل تفرض أيضا احترام حقوق الأفراد والجماعات، واحترام أنظمة المؤسسات و استمراريتها وهو ما يصطلح عليه بدولة الحق والمؤسسات.
              كما يفترض في دولة الحق و القانون أن تحرص على مساواة المواطنين          و الإدارات  “Les sujets du droit ” أمام القواعد القانونية بالإضافة إلى ضمان قضاء مستقل و فعال[3].
              و يعد جهاز القضاء أو السلطة القضائية ذا أهمية بالغة نظرا للدور الموكول إليه في حل النزاعات بين الأفراد أو الإدارات بالشكل الذي يضمن المساواة و احترام مبدأ المشروعـــــــــــية” principe de la légalité ” هذا المبدأ الذي يعد أهم مبدأ منظم للقانون الإداري .
                و إذا كانت استقلالية القضاء هي إحدى دعائم دولة الحق و القانون فإن هذا القضاء لا يمكن أن يكون فعالا إلا إذا كان متخصصا حسب مادة المنازعة أو الدعوى المعروضة عليه،و من تم تبدو مكانة وجود قضاء إداري يعطي للتمييز بين المنازعات الإدارية و المنازعات العادية أهميته[4].
            و إذا كان القضاء الإداري هو نتاج سياق سوسيوسياسي و تاريخي حدد معالمه، فإن من المهم التأكيد على أن أي نظام قضائي إلا و يتأثر بنوعية النظام السياسي السائد.
             و التجربة المغربية لم تحد عن هذه القاعدة، إذ عرف المغرب بوادر قضاء إداري قبل ظهير التنظيم القضائي لسنة 1913 ليتطور مع هذا الظهير خاصة دعاوى المسؤولية الإدارية التي شكلت نوعا من المراقبة القضائية للأعمال الإدارية، هذه المراقبة التي توسعت عبر دعوى الإلغاء منذ سنة 1928 لصالح الموظفين في الإدارات الفرنسية،و أمام مجلس الدولة كلما تعلق الأمر بتطبيق نظامهم الأساسي[5].
           و مع إحداث المجلس الأعلى توسع مجال مراقبة القضاء المغربي عبر قضاء الإلغاء الذي اختصت به المحاكم المدنية، و المجلس الأعلى إلى أن أعيد توزيع الاختصاص بمقتضى قانون   41 – 90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية.
          إن إحداث المحاكم الإدارية وكذا محاكم الاستئناف الإدارية[6] لا يمكن النظر إليه على أنه حدث قانوني محض عزز جهاز القضاء الإداري المغربي فقط ،بل إنه يرتبط حثما بالتحولات التي يعرفها المغرب و خاصة على المستوى الحقوقي، الاجتماعي و السياسي    و حتى على مستوى المتغيرات الدولية من ناحية تأثره بها.
         و لما كان من بين الأهداف التي أحدثت من أجلها المحاكم الإدارية بما تعني تعزيز جهاز قضائي إداري متخصص هو تدعيم بناء دولة الحق و القانون، فهل استطاع هذا القضاء المساهمة في تحقيق هذا الهدف؟
وعلى اعتبار ان العديد من الباحثين يعتبر أن غاية دولة الحق و القانون هي حماية الحقوق و الحريات، فإنه من المهم الإشارة إلى أن تحقيق هذه الغاية يتم في جزء كبير منه عبر دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة.
        و إيمانا منا بأن التطبيقات القضائية تعكس إلى حد بعيد مكانة الجهاز القضائي       و مدى تفاعله و قدرته على النهوض بالمجتمع و رقيه، فقد وقع اختيارنا على القيام بمقاربة سوسيوقانونية من خلال تطبيقات دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة لدور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون.
        و إذا كان هذا المفهوم قد ظهر في كتابات الفقهاء الألمانيين أولا، ثم استقبله الفقهاء الفرنسيون بنوع من التحفظ، إلى أن توسعت مناقشته من طرف مختلـــــف شرائح المجـــــتمع، فان له ارتباطا وثيقا بفكرة الديمقراطية وممارسة السلطة السياسية، وهو يحيل إلى عكس ما يسمى بدولة الشرطة أو دولة الضبط الإداري، والتي تعني أن للإدارة سلطة مطلقة لمواجهة الأوضاع الاجتماعية، حيث يتم اتخاذ الأوامر و التدابير اللازمة وبدون تقيد وفي جميع المياديــــــــــــن[7] ،بخلاف دولة الحق و القانــــــــون التي تحيل إلى نمــــوذج متقدم من الدولة التي ترتبط بالقـــانون والخضوع له، وتحمى في ظلها الحقوق و الحريات .
           وعموما فانه لا يمكن القول بأن دولة معينة هي دولة للحق و القانون إلا بتوفر مقومات أساسية يمكن إيجازها فيما يلي:
                        أ – وجود قانون يحمي  الحقوق و الحريات و يضمن ممارستها و يخضع كل نشاط لمبدأ تدرج القواعد القانونية.
                        ب – وجود نظام سياسي قائم على مبدأ الفصل بين السلط، و آليات انتقال السلطة.
                        ج – وجود جهاز قضائي مستقل وفعال لضمان تطبيق القانون ومراقبة سلامة تطبيقه يخضع لرقابة كل من المواطن والإدارة.
   د- وجود مواطن واعي: مؤد لوا جباته وواع بحقوقه .
 ثانيا : دواعي اختيار البحث :
           إن اختيارنا لموضوع ” دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون مقاربة سوسيو قانونية من خلال دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة ”  لم يكن وليد ظرفية آنية بقدر ما كان وليد تفكير مستمر،  و استمرارا لموضوع بحث نيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة الذي كان عنوانه : ” تطبيقات دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة بالمحكمة الإدارية بمراكش ” إضافة إلى اهتمامنا وانشغالنا بالقضاء الإداري.
            و قد تعزز لدينا هذا الدافع الذاتي بدافع علمي موضوعي يتجسد فيما وقفنا عليه لدى جردنا للبحوث السابقة المنجزة حول نفس الموضوع إن من الجانب السوسيولوجي أو القانوني، حيث تبين من خلال الإطلاع على هذه البحوث أنها تغافلت البحث في التطبيقات القضائية للمحاكم الإدارية و للمجلس الأعلى و للعوامل المؤثرة و الظروف المحيطة، و في الآليات الكفيلة بحسن الأداء و المرودية .
            لذلك و استجابة لما سبق اخترنا هذا الموضوع آملين أن نقدم من خلاله إضافات تخدم الجوانب المغيبة في مجال دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون انطلاقا من وسيلة أساسية ألا و هي دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة على اعتبار أن هذه الأخيرة  تشكل نقطة وصل بين امتيازات الإدارة و حقوق و حريات المواطن و دور القضاء الإداري.
ثالثا : أهــمــيـة الـبـحـث.
             تكمن أهمية هذا الموضوع في أنه يعطي إطارا نظريا لمفهوم دولة الحق و القانون، 
 و لدور القضاء الإداري المغربي، و ذلك انطلاقا من آراء الفقه و الاجتهاد القضائي.
             كما يحاول هذا الموضوع الإحاطة أيضا بكل ما يتعلق بدعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة و أهميتها و خصوصيتها انطلاقا من نفس المنظور.
            و مما يزيد من أهمية البحث المقاربة السوسيوقانونية التي تم تناوله بها، إذ لم يتم الاكتفاء بالنظر إلى القاعدة القانونية، أو إلى جهاز القضاء بنظرة موضوعية و مجردة عن المحيط،بل تم الربط بين القضاء و تطبيقاته و كيفية تعامله مع التشريع أخذا بعين الاعتبار المحيط الثقافي و المجال الجغرافي، و النظام السياسي، و كذا المتغيرات الدولية و الوطنية.
          هكذا فإن تناول موضوع:” دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق            و القانون: مقاربة سوسيوقانونية من خلال دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة”. له أهميته الكبرى خاصة وأن البحوث المنجزة في مجال القضاء الإداري غالبا ما تتبع مقاربة قانونية محضة باستثناء دراسات قليلة،[8] و بعض المقالات التي يبادر بإنجازها بعض الباحثين المهتمين.
         ومن تم يمكن اعتبار انجاز هذا العمل لبنة ضرورية لتشخيص الواقع و الوقوف على جوانب الخلل و على إكراهات و مؤهلات جهاز القضاء الإداري المغربي،خاصة و أن التجربة المغربية عرفت تطورا ملموسا على مستوى بناء الدولة الحديثة، الشيء الذي مكن القضاء الإداري المغربي من أن يساهم بشكل مستمر وايجابي في تكريس دعائم  دولة الـــــــــحق و القانون .
          ولقد اعتبر البعض[9] بأنه منذ إنشاء المغرب للمجلس الأعلى بدا القضاء الإداري يخطو خطوات جبارة نحو ترسيخ دولة الحق بعد أن وفر المغرب للمواطنين في اقل من سنة علــــــــــــى  استقلاله إمكانية مقاضاة الإدارة أمام جهة قضائية و التي أ صبحت تتولى تسليط رقا بتها علـــى الأعمال والتصرفات التي تقوم بها السلطات  الإدارية ،غير أن ما شكل نقلة نوعية في هذا الصدد هو ما عرفته فترة التسعينات  و بالخصوص ما جاء  في الخطاب الملكي ليوم 08ماي 1990 من ربط بين التأكيد على استكمال بناء دولة الحق و مقوماتها ، حيث جاء فيه : ” لا يمكن لهذ البلد أن يكون دولة قانون إلا إذا جعلنا كل مغربي عنده الوسيلة كي يدافع عن حقوقه كيفما كان خصمه ” وتنفيذا لهذه الإرادة فقد تم إ نشاء العديد من المؤسسات نذكر منها :
-المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان
– مؤسسة والي المظالم
وزارة مكلفة بحقوق الإنسان
وعلى مستوى جهاز القضاء الإداري:
– المحاكم الإدارية
– محاكم الاستئناف الإدارية.
          و مما لا شك فيه أن العوامل الاجتماعية و المؤثرات الخارجية و الفاعلين الحقوقيــــــــين و الترسانة التشريعية كلها عوامل مساعدة للإجابة عن سؤال أساسي وهو: ما هو دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون؟
          إن الإجابة عن هذا السؤال الأساسي تقتضي مبدئيا الإجابة عن أربعة أسئلة فرعية أساسية و هي:  
1- هل القضاء الإداري المغربي بالشكل الذي هو عليه حاليا قادر على المساهمة بشكل قوي في تدعيم بناء دولة الحق والقانون؟ أم أن هذا القضاء لا يعدو أن يكون فقط قضاء متخصصا وأن دوره لا يتجاوز البت في نزاعات ذات طبيعة خاصة بقواعد متميزة ؟.
2- على افتراض أن القضاء الإداري المغربي يقوم بدوره في بناء دولة الحق والقانون، وفي ضمان ممارسة الحقوق والحريات، فهل المواطن المغربي على علم بهذا الدور ؟.
3- وإذا ما تأكد أن تصور المواطن لا يتطابق و المجهودات المبذولة من طرف القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق والقانون، فهل السبب يعود إلى فجوة بين القضاء الإداري ومحيطه أم أن مقاضاة الإدارة لازالت مستعصية الفهم سواء بالنسبة للإدارات أو المواطنين ؟.
4- وعلى اعتبار أن دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق والقانون يبقى محدودا، فما هي مداخل تحسين هذا الدور ؟.
وقد أبرزنا من خلال هذا الموضوع ما يلي :
مجهودات القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق والقانون من خلال دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة باعتبارها دعامة أساسية لدولة الحق و القانون.
تصور المواطن حول قدرة القضاء الإداري المغربي على حماية الحقوق و الحريات.
التأكيد على أن دور القضاء الإداري يبقى محدودا.
مداخل تحسين دور القضاء الإداري، ليقوم بدوره كاملا في بناء دولة الحق و القانون.
رابعا: وصف عينة البحث :
           من المهم الإشارة إلى أن معالجة الموضوع اعتمدت على تجميع لمجموعة من اجتهادات المجلس الأعلى المتعلقة  بدعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة ، وكذلك تلك الصادرة عن المحاكم الإدارية ,غير أن الاعتماد على الاجتهاد القضائي الإداري المغربي لم يكن كافيا لوحده من أجل إبراز دور القضاء الإداري المغربي مما تطلب الأمر الاعتماد على استمارة بحث تضمنت[10] أسئلة أساسية نروم من خلالها معرفة تصور المواطن حول جهاز القضاء الإداري المغربي ، واختلاف هذا التصور من فئة إلى أخرى وكذا معرفة الإجراءات المتخذة من طرف المواطن المغربي إذا ما تم الاعتداء على حقوقه، وما هي القنوات التي يتجه إليها؟
وقد شارك في تعبئة الاستمارة المذكورة ثلاثة مائة شخص من مناطق مختلفة من المغرب ،كما توزعت عينة البحث بين مهن مختلفة،آثرنا عن قصد أن يكون منها 106 محاميا لما لهذه الفئة من ارتباط وثيق بالشأن القضائي ومن مكانة وازنة بالمجتمع.
 ولقد كان لاعتمادنا على هذه الاستمارة فائدة كبرى على تطعيم البحث، وإبراز مسائل جد مهمة.
خامسا: تصميم البحث:
إن التصميم الحالي لهذا الموضوع ليس إلا نتيجة لمجموعة من التعديلات المتوالية، حيث إنه كلما تقدمنا في البحث إلا وتبين لنا أن إضافة ما تبدو ضرورية في جزء  ما أو أن مقطعا في غير مكانه.
وعموما فقد اتبعنا أسلوبا مرنا في إيجاد التصميم الملائم غير متشبث بالتصميم الأول مبتغيا من وراء ذلك أن يكون التصميم النهائي أكثر خدمة لموضوع البحث و للمقارنة السوسيوقانونية متجاوزا للتقسيمات الثنائية الكلاسيكية، والتي غالبا ما تخصص القسم الأول لما هو نظري و القسم الثاني لما هو سوسيولوجي إن وجد، إذ عملنا طيلة أجزاء البحث بنفس المقاربة بالاعتماد على الأحكام و القرارات القضائية الإدارية المتعلقة بدعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة وكذا على نتائج الاستمارة المعتمدة.
وهكذا تمكنت من وضع تصميم تفصيلي للأطروحة بأكملها نورد محاوره الأساسية فيما يلي:
القسم الأول:   دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة دعامة لدولة الحق و القانون :
القسم الثاني:   تدعيم القضاء الإداري المغربي لدولة الحق و القانون من خلال حماية          الحقوق  و الحريات:
خاتمة.
       و انطلاقا مما سبق، فقد تم التوصل إلى نتائج جد مهمة.
سادسا: خلاصات البحث:
لقد تم التوصل إلى نتائج مهمة خاصة و أن الأمر يتعلق بدراسة لأحكام المحاكم الإدارية،    و قرارات المجلس الأعلى، و كذا نتائج الاستمارة، و لذلك فإن من الصعب ذكر مجمل الخلاصات المتعلقة بمجمل أجزاء البحث، و تم التركيز على أهم النتائج، مع التأكيد منذ البداية على خلاصة أساسية و هي أن جهاز القضاء الإداري المغربي يقوم بمجهود مهم في بناء دولة الحق و القانون، و لا يمكن الاستغناء على دوره في هذا الصدد.
كما أن الخلاصات التي تم التوصل إليها تتعلق بالمستويات الثلاث الآتية:
المستوى الأول: خلاصات  تتعلق بجهاز القضاء الإداري:
إن القضاء الإداري المغربي لم يتعامل مع شكليات التقاضي كشكليات مسطرية جامدة، و إنما اعتبرها كتقنيات أساسية لحماية الحقوق و الحريات.
ففي الوقت الذي يحمي التطبيق السليم للنصوص القانونية و يضمن حقوق الموظف كالحرص على العلم اليقيني للطاعن، يحرص على ضمان استقرار المعاملات الإدارية،     و مصالح الإدارة من خلال تحصين عدد من القرارات الإدارية عن الإلغاء، و ذلك بالطبع بعد تفحص كل حالة على حدة.
إن القضاء الإداري المغربي حرص على حماية مبدأ المشروعية الإدارية، و مارس سلطاته في أن يراقب الإدارة رقابة معمقة، سواء من خلال عيوب المشروعية الإدارية الخارجية أو الداخلية.
حيث أبان في هذا الصدد عن مجهود كبير، و أنصف العديد من المتقاضين، و ذلك بالتصريح بإلغاء القرارات المتسمة بتجاوز السلطة، و التصريح بإعدام القرارات المتسمة بعيب صارخ كالمس باختصاص السلطة القضائية، أو الاعتداء على حرية يضمنها الدستور، و إن كان يلاحظ أن نظرية إعدام القرارات الإدارية لم تستقر بعد في كافة أحكام المحاكم الإدارية.
إن القضاء الإداري المغربي قام بمراقبة معمقة و أخذ بأحدث النظريات في مراقبة الإدارة، حيث إنه أخذ بنظرية الموازنة بين المنافع و الأضرار بمناسبة مراقبته لعيب السبب، و بمراقبة السلطة التقديرية للإدارة.
بالاعتماد على الاجتهاد القضائي الإداري المغربي فقد اتضح أن القضاء الإداري يقوم بدور مهم في بناء دولة الحق و القانون، و يتجلى ذلك في حمايته لممارسة الحقوق و الحريات، سواء تعلق الأمر بحقوق قانونية، سياسية، اقتصادية و ثقافية، ولم يجعل سنده القانوني الوحيد هو التشريع المغربي، بل اعتمد على الاتفاقيات الدولية، و أحيانا ما توصل إليه القضاء المقارن.
و إذا كانت هذه النقط و غيرها تتعلق بجهاز القضاء الإداري نفسه فإن هناك خلاصات أساسية تتعلق بالمحيط.
المستوى الثاني: خلاصات تتعلق بمحيط القضاء الإداري:
و يقصد بذلك تصور المواطن حول ما يقوم به جهاز القضاء الإداري المغربي، حيث كشفت معطيات الاستمارة عن نتائج جد مهمة و يتعلق الأمر بما يلي:
1- إن رأي المواطن حول المجهود الذي يقوم به القضاء الإداري المغربي لا يتطابق تماما، و ما يقوم به هذا الأخير.
2- إن تصور المواطن حول حماية القضاء الإداري المغربي لحماية الحقوق و الحريات تختلف حسب نوعية الحق و الممارسة، و الواقع أن مجهود القضاء الإداري المغربي تجاه حماية أي حق تكاد تكون متساوية.
3- إن للمستوى الثقافي للمتقاضين تأثير على ممارستهم لحقهم في التقاضي و الدفاع عن حقوقهم، و أن هناك إيمانا لدى المواطن المغربي بأهمية اللجوء إلى القضاء الإداري المغربي حيث إن 74.66% يفضلون اللجوء إلى القضاء في حالة تعرض أحد حقوقهم لاعتداء من طرف الإدارة،  و أن 5.66% يكتفون بتظلم استعطافي، و 12.66% يستخدمون علاقة شخصية، في حين يخضع 7% للأمر الواقع دون ممارسة أي شيء للدفاع عن حقوقهم.
4- إن 66.33% ممن شاركوا في استمارة البحث يرون بأن القضاء الإداري غير مستقل في إصدار أحكامه، بينما يرى 30.33% بأنه مستقل و تحفظ 3.33% عن الجواب.
5- إنه مهما عمل القضاء الإداري المغربي و قام بمجهوداته في حماية الحقوق و ضمان التطبيق السليم للنصوص القانونية، فإن دوره يبقى محدودا على عدة مستويات:
– طبيعة اختصاص القضاء الإداري حيث إنه يكتفي بالتصريح بإلغاء القرارات المتسمة بتجاوز السلطة دون إصدار أوامر للإدارة.
– إقدام العديد من المتقاضين إلى رفع دعاوى دون ضبطهم لمسطرة التقاضي.
– إن مسألة بعد المحاكم ما زالت تحد من إقدام البعض على ممارسة حقه في التقاضي.
– إن ثقافة التقاضي لازالت مستعصية الفهم لدى بعض المواطنين.
– إن مشكلة الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية تعد بحق عرقلة لدور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون.
المستوى الثالث: خلاصات تتعلق بمداخل تحسين دور القضاء الإداري في بناء دولة الحق       و القانون:
و يتعلق الأمر بما يجب القيام به ليقوم القضاء الإداري المغربي بدوره أحسن ما يمكن      و يتجلى ذلك فيما يلي:
1- تحسين مستوى التشريع و المؤسسات.
2- إصلاح جهاز القضاء الإداري نفسه حتى يواكب التطورات المجتمعية، و ذلك بدعم مبدأ الفصل بين السلط و بتحديث الإدارة القضائية.
3- تفعيل توصيات المناظرة الوطنية حول إصلاح الإدارة المغربية حتى تصبح إدارة مواطنة.
4- دعم ثقافة المواطنة و حقوق الإنسان.
هذه بعض الخلاصات المتعلقة بموضوع:” دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون مقاربة سوسيوقانونية من خلال دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة”.
و نتمنى أن يحظى موضوع القضاء الإداري المغربي و دولة الحق و القانون بعناية الباحثين      و المهتمين خدمة للبحث العلمي، لمرفق القضاء و المواطن.
[1]  أشرف على هذه الاطروحة الدكتور عبد الله المتوكل أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالدارالبيضاء ، وتمت مناقشتها بتاريخ 31ماي 2008 بنفس الكلية .
[2] – voir : Flory (M), Le concept d’Etat de droit au regard du droit international. A.A.N.  C.N.R.S. paris 1997.
[3] – qu’ est ce que l’Etat de droit ? vue publique . fr . Découvertes des institutions . htpp.www.Google.com. le 18.10.2003.      
[4]– Encarta  collection 2003 C 1993 – 2003 . Mot de recherche : Acte Administratif  
[5]  – الحلابي ( مولاي إدريس الكتاني ) ، مسطرة التقاضي الادارية ، الجزء الاول ، منشورات المجلة المغربية للادارة المحلية والتنمية . العدد 18 سنة 1997: ص : 12
[6]  – انظر باينة ( عبد القادر ) ، أسباب انشاء المحاكم الادارية بالمغرب على هامش مشروع القانون المحدث للمحاكم الادارية المعرض على مجلس النواب في دورة ربيع 1991 ” في : القضاء الاداري حصيلة و آفاق الجمعية المغربية للعلوم الادارية ص ص 143 – 168. 
[7] –  بلا ( العربي ) ، السلطة و المعارضة و دولة الحق والقانون في دول المغرب العربي ، أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية جامعة القاضي عياض مراكش 2002. ص : 50.
[8]  – voir NGASSI (mohamed saqot) le contrôle juridictionnel  de l’administration Marocaine Doctorat d’Etat Paris 1982. T1 et T2.
[9] بوزوبع( محمد) كلمة افتتاحية للسيد وزير العدل في اليوم الدراسي حول موضوع ” تطور القضاء الإداري بالمغرب على ضوء إحداث محاكم الاستئناف الإدارية بالمغرب ” REMALD سلسلة مواضيع الساعة العدد 55- 2007 ص 17
 

المنشورات ذات الصلة

هذا المحتوى محمي
Scroll to Top