إصلاح النظام الجبائي للجهات

الأستاذة زبيدة نكاز
أستاذة مؤهلة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس
حنان الطيبي
طالبة باحثة في سلك الدكتوراه
مقدمة
إن تاريخ السياسات الجبائية المحلية بالمغرب عرفت ومازالت تعرف تمييزا نوعيا لصالح المصالح الجبائية للدولة التي تلعب دورا محوريا في إدارة وتدبير الجبايات المحلية، إلا أنه بعد دستور 2011 المدعم للامركزية الترابية صار من الضروري أجرأة الاستقلال المالي للجماعات الترابية من خلال التضامن بين الجهات والجماعات والعمالات و الاقاليم,
و تقليص التدخل المالي للدولة للإسهام في سد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية والتجهيزات الأساسية. عبر تدعيم السلطة المالية و الجبائية للجماعات الترابية، التي أصبحت مطالبة بأن تلعب دور الشريك الحقيقي في مسلسل التنمية الشاملة وأن تكون قوة اقتراحية لتفعيل مختلف الاستراتيجيات.
فتوفير الموارد المالية للجماعات الترابية خاصة منها الجبائية، تعطي للهيئات المنتخبة السلطة الفعلية للقيام بدورها في مجال التنمية, ذلك ان اصلاح النظام الجبائي الترابي يعد من أهم عناصر تحقيق الاستقلال المالي للجماعات الترابية.
فبالرغم من ان قانون 47.06 لسنة2007 المنظم للجبايات المحلية حاول تجاوز مجموعة من الإكراهات سواء التقنية منها أو القانونية التي شابت القانون 30.89، لتبني مواصفات الأنظمة الجبائية الحديثة وتبسيط الجبايات المحلية وتحسين مردوديتها من خلال دمج وتقليص عدد من الرسوم، وملاءمة الجبايات المحلية مع مستلزمات تفعيل اللامركزي, فان هذا القانون اصبح لا يلائم مستجدات دستور 2011و القوانين التنظيمية للجماعات الترابية لسنة 2015 .
وفي ظل التطورات التي عرفها المغرب خلال العهد الجديد، بما تميز به من إصلاحات سياسية، مؤسساتية وإدارية, وفي ظل المبادئ والرؤى الترابية الجديدة التي جاء بها الدستور والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي عملت على تفعيل الجهوية المتقدمة وجعل الجهة تتبوأ الصدارة على المستوى الترابي و مطالبة بتحمل مسؤوليات كبرى في مجال التنمية الترابية الشاملة وتدبير الشأن العام الترابي عبر تعبئة موارد مالية دائمة, الشيء الذي يتطلب وضع نظام جبائي ترابي فعال يأخذ بعين الاعتبار التطور الذي يعرفه مسلسل الجهوية المتقدمة و يستجيب لمتطلبات التنمية الشاملة والمستدامة انسجاما مع مقتضيات الدستور والقانون التنظيمي 111-14 المتعلق بالجهات.
إن إصلاح النظام الجبائي المحلي يشكل ضرورة ملحة لتدعيم المقومات المالية للجهات للانخراط بشكل فعال في تنزيل البرامج والمشاريع التنموية المقررة في التصميم الجهوي لإعداد التراب وبرنامج التنمية الجهوية باعتماد منهجية تشاركية لتقاسم خلاصته مع باقي الفاعلين في هذا المجال بمختلف مستوياتهم.
و لملامسة أهم الاكراهات التي تعتري النظام الجبائي الحالي وتعرقل تنزيل مخرجات الإصلاح لابد من تبني مقاربات تدعم هذه المخرجات وتحقق الرهانات المنتظرة.
في هذا السياق يتم التطرق للإشكالية التالية : كيف يمكن لإصلاح نظام الجبايات المحلية تجاوز محدودية التمويل الجبائي و تمكين الجهة من تبوأ مكانة الصدارة ترابيا ؟
وكمساهمة في ورش إصلاح نظام الجبايات المحلية سيتم الاجابة على هذه الاشكالية من خلال التركيز على النظام الجبائي للجهة فاس – مكناس وتقسيم هذا الموضوع الى محورين:
المحور الأول: محدودية التمويل الجبائي للجهات ودواعي الإصلاح
المحور الثاني: سبل تحقيق نظام جبائي مرن وعادل وفعال
المحور الأول: محدودية التمويل الجبائي للجهات ودواعي الإصلاح
لا تشكل الجبايات بالنسبة للجماعات الترابية مجرد موارد مالية موجهة لتغطية تكاليف المرافق العمومية المحلية بل هي أداة للسياسة الاقتصادية تساهم في تعزيز مسلسل اللامركزية الذي يعد حجر الزاوية لبناء دولة ديمقراطية حديثة تعمل على ارساء و تفعيل دعامات الديمقراطية التشاركية
و ديمقراطية القرب .
فتحسين مردودية النظام الجبائي المحلي وتجاوز اختلالاته وضعف مردوديته يرتبط ارتباطا وثيقا بمدى انسجامه مع النظام الجبائي على الصعيد المركزي. فكل إصلاح يطال النظام الجبائي للدولة يكون له تأثير على النظام الجبائي المحلي، مما يستدعي مقاربة شمولية للإصلاح لتجاوز الاختلالات التي يعرفها النظام الجبائي عامة و الجبايات المحلية على مستوى الجهات خصوصا.
أولا: الجهة ومحدودية مواردها الذاتية الجبائية
يقصد بالنظام الجبائي المحلي مجموعة الضرائب والرسوم المستحقة لفائدة الجهات وباقي الجماعات الترابية، سواء منها تلك التي يرجع حق استخلاصها للجماعات الترابية بواسطة إدارتها الجبائية مباشرة أو المحولة لفائدتها من طرف الدولة او تستخلص لفائدتها من طرف باقي الجماعات.
فالنظام الجبائي للجهات يتسم بضعف مردوديته ومحدودية وعائه الضريبي بالإضافة إلى محدودية عدد الرسوم التي تستفيد منها فمن بين 17 رسما منظما في إطار قانون الجبايات المحلية 06-47 تستفيد الجهات فقط من ثلاث رسوم وهي الرسم على رخص الصيد، الرسم على استغلال المناجم، الرسم على الخدمات المقدمة للموانئ، مع العلم أن هناك جهات لا تتوفر على واجهة بحرية مما يفوت عليها الاستفادة من عائدات هذا الرسم كما هو الحال بالنسبة لجهة فاس-مكناس. كذلك يعاني النظام الجبائي للجهات من تعدد المتدخلين في عملية استخلاص الرسوم التي تستفيد الجهات من جزء من عائداتها.
فعلى مستوى رسم رخص الصيد مثلا يتم استخلاصه من طرف وكيل مداخيل العمالة أو الإقليم، وتستفيد الجهات من 5% من رسم الخدمات الجماعية الذي يتم استخلاصه من طرف مصالح الخزينة. أما الرسم المفروض على استغلال المقالع فتستفيد الجهات من 10% من عائداته المستخلصة من طرف وكيل مداخيل الجماعة. في هي رسوم بالإضافة الى قلة عددها تعاني من محدودية عائداتها كما هو مبين في الجدول التالي
نموذج: الرسوم الذاتية لجهة فاس-مكناس
[table id=2 /]
المصدر : تركيب شخصي انطلاقا من معطيات عن جهة فاس مكناس
فمن خلال هذا الجدول يتبين واقع عائدات هذه الرسوم التي تتميز بمحدودية مردوديتها، الشيء الذي لا يتناسب مع حجم الانتظارات المشروعة للجهوية متقدمة.
ان التقييم الدقيق للنظام الجبائي المحلي يمكن من ملاحظة العديد من النواقص فيما يخص الموارد الذاتية للجهات فهي رسوم تعاني من عدم الفعالية وغياب العدالة الجبائية وتكرس الفوارق المجالية والاجتماعية على مستوى الجهات.
كذلك تعاني الرسوم الخاصة بالجهات بالإضافة الى الصعوبات التدبيرية والمسطرية اشكالات على مستوى منظومة الرقابة, تعاني جهة فاس مكناس من صعوبة مراقبة وتحديد مجالها الترابي الذي يتميز بالشساعة مما يؤدي إلى صعوبة تتبع تحصيل حصصها من الجبايات ومن تم مواجهة إشكالية انتشار ظاهرة التهرب والغش الضريبي. فضعف آليات رقابة وتتبع الإعفاءات الجبائية تمس بمبدأ الشفافية
و تمس بعدالة النظام الضريبي ولا تتلاءم مع متطلبات الفعالية والنجاعة، مما يولد عدم ثقة الملزم في الإدارة الجبائية ويكرس انتشار ظاهرة التملص بسبب السلوكيات السلبية لبعض الإدارات الجبائية.
ومما يزيد من تعقد الإشكالات التي يعاني منها النظام الجبائي المحلي هو أن هذه الجهات لا تقوم مباشرة باستخلاص عائدات الرسوم المخصصة لها في إطار قانون الجبايات المحلية 47-06 بحيث أن عائدات الرسم الخاص برخص الصيد البري يتم استخلاصها من طرف وكيل مداخيل العمالة أو الإقليم، والرسم على الخدمات الجماعية يتم استخلاصه من طرف مصالح الخزينة العامة للمملكة و يتم توزيع حصصه على الجماعات الترابية ( الجهات 5% والجماعات 95% )، أما الرسم المفروض على استغلال المقالع فيتم استخلاصه من طرف وكيل مداخيل الجماعة و يتم توزيع حصصه على الجماعات الترابية ( الجهات 10%  والجماعات 90%). وبالنسبة للرسم المفروض على استخراج المعادن يتم استخلاصه من طرف المديرية العامة للضرائب.
ثانيا: هيمنة الاعتمادات المحولة في تمويل الجهات
إن ضعف مساهمة الموارد الذاتية خاصة الجبائية منها في دعم ميزانيات الجهات يؤدي إلى الاعتماد الكلي على الموارد المحولة من الدولة فموارد الجماعات الترابية تمثل أقل من الثلث من موارد هذه الجماعات وأقل من 1 % من الناتج الخام الداخلي. الأمر الذي يجعل الجهات وباقي الجماعات الترابية تعتمد اعتمادا كليا على الموارد المحولة من الدولة، هذا الاعتماد يجد مرجعيته القانونية في الفصل 141 من دستور 2011 الذي ينص على أن الجماعات الترابية تتوفر على موارد ذاتية وموارد مرصودة من قبل الدولة، مع اقتران نقل الاختصاص من الدولة إلى الجماعات الترابية بتحويل الموارد المطابقة له. الشيء الذي يوضح الارتباط والترابط بين موارد الجهات والحصص المحولة من ضرائب الدولة فكل إصلاح يشمل النظام الضريبي للدولة يكون له انعكاس على حجم الدعم المالي الذي ترصده الدولة للجماعات الترابية وخاصة الجهات.
ففي إطار تنزيل الجهوية المتقدمة تم رصد موارد لفائدة الجهات بقيمة 9.6 مليار درهم في مشروع قانون مالية 2020 مقابل 8.5 مليار درهم المرصودة للجهات في قانون مالية 2019 على أن تصل هذه الموارد إلى 10 مليار درهم ابتداء من 2021.
[table id=3 /]
المصدر : تركيب شخصي انطلاقا من معطيات عن جهة فاس مكناس
فمن خلال هذا الجدول يتبين واقع عائدات هذه الرسوم التي تتميز بمحدودية مردوديتها، الشيء الذي لا يتناسب مع حجم الانتظارات المشروعة للجهوية متقدمة.
ان التقييم الدقيق للنظام الجبائي المحلي يمكن من ملاحظة العديد من النواقص فيما يخص الموارد الذاتية للجهات فهي رسوم تعاني من عدم الفعالية وغياب العدالة الجبائية وتكرس الفوارق المجالية والاجتماعية على مستوى الجهات.
كذلك تعاني الرسوم الخاصة بالجهات بالإضافة الى الصعوبات التدبيرية والمسطرية اشكالات على مستوى منظومة الرقابة, تعاني جهة فاس مكناس من صعوبة مراقبة وتحديد مجالها الترابي الذي يتميز بالشساعة مما يؤدي إلى صعوبة تتبع تحصيل حصصها من الجبايات ومن تم مواجهة إشكالية انتشار ظاهرة التهرب والغش الضريبي. فضعف آليات رقابة وتتبع الإعفاءات الجبائية تمس بمبدأ الشفافية
و تمس بعدالة النظام الضريبي ولا تتلاءم مع متطلبات الفعالية والنجاعة، مما يولد عدم ثقة الملزم في الإدارة الجبائية ويكرس انتشار ظاهرة التملص بسبب السلوكيات السلبية لبعض الإدارات الجبائية.
ومما يزيد من تعقد الإشكالات التي يعاني منها النظام الجبائي المحلي هو أن هذه الجهات لا تقوم مباشرة باستخلاص عائدات الرسوم المخصصة لها في إطار قانون الجبايات المحلية 47-06 بحيث أن عائدات الرسم الخاص برخص الصيد البري يتم استخلاصها من طرف وكيل مداخيل العمالة أو الإقليم، والرسم على الخدمات الجماعية يتم استخلاصه من طرف مصالح الخزينة العامة للمملكة و يتم توزيع حصصه على الجماعات الترابية ( الجهات 5% والجماعات 95% )، أما الرسم المفروض على استغلال المقالع فيتم استخلاصه من طرف وكيل مداخيل الجماعة و يتم توزيع حصصه على الجماعات الترابية ( الجهات 10%  والجماعات 90%). وبالنسبة للرسم المفروض على استخراج المعادن يتم استخلاصه من طرف المديرية العامة للضرائب.
ثانيا: هيمنة الاعتمادات المحولة في تمويل الجهات
إن ضعف مساهمة الموارد الذاتية خاصة الجبائية منها في دعم ميزانيات الجهات يؤدي إلى الاعتماد الكلي على الموارد المحولة من الدولة فموارد الجماعات الترابية تمثل أقل من الثلث من موارد هذه الجماعات وأقل من 1 % من الناتج الخام الداخلي. الأمر الذي يجعل الجهات وباقي الجماعات الترابية تعتمد اعتمادا كليا على الموارد المحولة من الدولة، هذا الاعتماد يجد مرجعيته القانونية في الفصل 141 من دستور 2011 الذي ينص على أن الجماعات الترابية تتوفر على موارد ذاتية وموارد مرصودة من قبل الدولة، مع اقتران نقل الاختصاص من الدولة إلى الجماعات الترابية بتحويل الموارد المطابقة له. الشيء الذي يوضح الارتباط والترابط بين موارد الجهات والحصص المحولة من ضرائب الدولة فكل إصلاح يشمل النظام الضريبي للدولة يكون له انعكاس على حجم الدعم المالي الذي ترصده الدولة للجماعات الترابية وخاصة الجهات.
ففي إطار تنزيل الجهوية المتقدمة تم رصد موارد لفائدة الجهات بقيمة 9.6 مليار درهم في مشروع قانون مالية 2020 مقابل 8.5 مليار درهم المرصودة للجهات في قانون مالية 2019 على أن تصل هذه الموارد إلى 10 مليار درهم ابتداء من 2021.
رسم مبياني يوضح تطور مداخيل الضرائب والرسوم المخصصة للجهة برسم سنوات 2016 و2017 و2018
من خلال الجدول والرسم المبياني يتضح هيمنة الموارد المحولة من الدولة في بنية موارد الجهة وعدم توفر جهة فاس مكناس على نظام جبائي قوي بسبب قلة الرسوم الذاتية لهذه الجهة وضعف مردوديتها. لهذا يعاني النظام الجبائي الجهوي من الضعف وغياب الإنتاجية.
الشيء الذي يتعارض مع تطلعات دستور 2011 والقانون التنظيمي 14-111 لبلوغ الأهداف المتوخاة من إقرار الجهوية المتقدمة وتخويل الجهة مكانة الصدارة من خلال مجموعة من المهام والاختصاصات الموكولة لها في إطار تفعيل مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع لوضع الحدود بين الاختصاصات الذاتية والاختصاصات المشتركة والمنقولة للجهة في أفق تحقيق نظام جهوي مستقل إداريا وماليا.
المحور الثاني: سبل تحقيق نظام جبائي مرن وعادل وفعال
بالنظر للأدوار الدستورية والقانونية والتنظيمية التي أعطيت للجهة في ظل الوضع الجهوي المتقدم، بما يتوافق مع المكانة التي أصبحت تحتلها على المستويين الترابي والإداري، وبالنظر أيضا لمستوى الرهانات التي تعقد عليها لخلق تنمية جهوية مندمجة ومستدامة ومنصفة للمجالات الترابية، اصبح من الضروري تمتيع الجهة بإمكانيات مالية مهمة تتوافق وحجم الرهانات والتطلعات.
ومن أجل تقوية المنظومة الجبائية للجهة من خلال الرفع من قيمة وفعالية مواردها يجب إخضاع هذه المنظومة لإصلاحات جذرية على مستوى الإطار القانوني المنظم للجبايات وعلى المستوى التدبيري.
أولا: الإصلاح على المستوى القانوني:
إن إرساء نظام جبائي محلي أكثر عدالة من الناحية القانونية والعملية لتمكين الجهة من لعب الدور الحقيقي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية يتطلب اعتماد منهجية محددة وواضحة من خلال مرتكزات تواكب دينامية الاقتصاد، و من خلال تبني نظام جبائي يشجع الاستثمار المنتج ويدعم النمو ويدعم فرص الشغل وتقوية البعد الاجتماعي. وذلك من خلال إصلاح القوانين والتنظيمات المؤطرة للنظام الجبائي المحلي عبر تجميع هذه النصوص القانونية الخاصة بالرسوم والأتاوى المحلية في مدونة الجبايات الترابية لخلق انسجام بين هذه القوانين ومقتضيات الدستور والقوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية.
كذلك من خلال اعتماد نظام جبائي تراتبي يتم فيه تخصيص أوعية جبائية مستقلة وخاصة بالجهات تمنح من خلاله صلاحيات واسعة للإدارة الجبائية المحلية وبالتالي تمتيع الجهات بقواعد جبائية مرنة ومتطورة وذات مردودية كافية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصية كل جهة على حدة بعيدا عن الرؤية الشمولية المعمول بها في إطار قانون الجبايات المحلية 06-47.
بالإضافة إلى تبني مقاربات حديثة تستلزم إعادة النظر في مناهج إقرار النظم الجبائية التفضيلية على مستوى حجم الامتيازات الضريبية الممنوحة لمختلف القطاعات، وتمكين الجهات من سلطة جبائية حقيقية تضمن لهم حرية التحكم في الرسوم الذاتية الخاصة بها، وكذلك إمكانية تمكينها من الاستفادة من الضرائب على المناطق الصناعية و اللوجستيكية المحدثة بترابها كونها تدخل ضمن اختصاصاتها الذاتية.
مع التأكيد على ضرورة إصلاح وضعية الاختلال الذي تعرفه الجهات التي لا تتوفر على واجهة بحرية والتي لا تستفيد من عائدات الرسم على الخدمات المقدمة بالموانئ كجهة فاس مكناس من خلال تعويض هذه الجهات إما بمخصصات من الرسوم المفروضة على الخدمات المقدمة بالموانئ من الجهات التي تتوفر على واجهات بحرية متعددة، أو اقتطاع نسب من تلك التي تتميز موانئها بنشاط كثيف على مستوى الخدمات المقدمة بها.
وفي إطار حتمية الإصلاح يمكن الاستفادة من بعض التجارب المقارنة كالنموذج الفرنسي، والإيطالي، والاسباني والنموذج الألماني التي تمنح للجهات اختصاص استخلاص بعض الرسوم مثل رسم جهوي على الأنشطة الإنتاجية، فرض رسوم على المنشآت السياحية والاستثمارات بالجهة، فرض رسم على الأنشطة الفلاحية المتطورة، فرض رسم على محطات الوقود، فرض رسم على محطات التكرير، فرض رسم على بعض الصناعات (صناعة السيارات – الصناعات الغذائية…).
ويبقى إصلاح النظام الجبائي للجهات من خلال إعادة النظر في القوانين والأنظمة المعمول بها رهين بإصلاح التدابير والإجراءات المعمول بها في هذا المجال كأهم مدخل لتجويد منظومة الحكامة الترابية.
ثانيا: الإصلاح على المستوى التدبيري
نظرا لأهمية منظومة الحكامة في ضمان التنزيل الجيد للمخرجات القانونية والتنظيمية الرامية إلى إصلاح نظام الجبايات، وفي تكريس فعالية وانسجام تدخلات الفاعلين العموميين من مختلف المستويات الترابية، وأيضا على مستوى عقلنة وتجويد عمليات التنسيق والتتبع الذي تتطلبه عملية مواكبة هذا الورش، الذي يشكل دعامة أساسية للقدرات المالية للجماعات الترابية. ومن أجل تدعيم البعد الحكاماتي في النظام الجبائي، وتفعيل مبدأ التدبير الحر المنصوص عليه في الدستور، فإن معالجة الإشكالات التدبيرية للجبايات المحلية يتم من خلال اعتماد مناهج بنيوية تضمن للجهات استقلالها المالي والإداري.
فبناء نظام جبائي جديد بمقاربات حديثة يستلزم إعادة النظر في الإجراءات والوسائل التدبيرية من خلال تأهيل الإدارة الجبائية الترابية وتدعيمها بالوسائل التقنية المتطورة، وتعزيزها بأطر وكفاءات متخصصة في المجال المالي والمحاسباتي. وكذلك تبسيط إجراءات ومساطر استفادة الجهات من الرسوم، ومعالجة أسباب ضعف بنية الإدارة الجبائية المحلية وعدم توفرها على الإمكانيات المالية والبشرية اللازمة وغياب وسائل التحفيز لتشجيع أعوان التحصيل على الانخراط بجدية في عملية التحصيل كما هو الحال بالنسبة إلى الأعوان التابعين للدولة.
وفي هذا الإطار تجدر الإشارة للإشكالات التي تتيرها وظيفة شسيع المداخيل التي يكتنفها الغموض والتناقض فهو من جهة موظف لدى المجلس يخضع للسلطة الرئاسية لرئيس المجلس ومن جهة ثانية يعتبر عونا خاضعا لتوجيهات وأوامر الخازن المحلي الشيء الذي يؤثر على حسن أدائه لوظيفته مما يتطلب إعادة النظر في بنية ووظيفة شسيع المداخيل.
كذلك غموض المساطر والتدابير الخاصة بالجبايات المحلية وعدم وضوحها بالنسبة للملزمين والمكلفين بها ،مما يحول دون التحقق من التوزيع العادل للأعباء الجبائية خلافا لأهداف الشفافية كمبدأ من مبادئ الحكامة الجيدة ، فإعادة النظر في هذه المساطر من شأنه أن يحقق العدالة الجبائية والتضامن في تحمل العبء الجبائي.
بالإضافة إلى أن اعتماد أنظمة معلوماتية حديثة سيساهم في ضبط النظام الجبائي وتحديد أوعيته، مع ضرورة العمل على تحيينها ومراجعتها بكيفية دورية.
وتعزيز الاليات والمناهج الرقابية الحديثة ودعم نظام التتبع ومراقبة أنظمة الإقرار لمحاربة ظاهرة الغش والتهرب الضريبي، وتأسيس نظام عقابي صارم كما هو الحال بالنسبة لنظام مراجعة الضريبة المعمول بها على مستوى الدولة.
خاتمة
إن اصلاح النظام الجبائي الجهوي سيشكل مدخلا أساسيا من مدخلات تنزيل الجهوية المتقدمة خاصة مع الأدوار التي أصبحت مناطة بالمصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، بعد إصدار الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، الذي عمل على الارتقاء بهذه المصالح وتأهيلها وتطوير أدائها، بما خول لها من صلاحيات تقريرية في العديد من القضايا ذات البعد الجهوي. وذلك قصد خلق الفعالية والنجاعة في التطبيق الأمثل للتوجهات العامة للدولة، وفي التوطين الأمثل للسياسات الترابية، بما يمكن من خلق الالتقائية في مجالات التعاون بين الدولة والجهات، وضمان تكاملية أدوارهم لخدمة التنمية الترابية المندمجة والمستدامة تماشيا مع النموذج التنموي الجديد الذي يهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق المجالية عن طريق تعزيز القدرات التنفيذية والتدبيرية للجهات.
المراجع المعتمدة
مقالات :
  • إدريس ايتلحو، التمويل الترابي في ضوء القوانين التنظيمية للجماعات الترابية بالمغرب، سلسلة أشغال ندوات حول التمويل الترابي، المركز المغربي للبحث والدراسات الترابية، العدد الأول 2017.
    -عبد الفتاح بلخال وجواد الرباع، الجهة بين تبوأ مكانة الصدارة ترابيا وحدود التمويل الجبائي، سلسلة الندوات حول التمويل الترابي بالمغرب، المركز المغربي للبحث والدراسات الترابيةن العدد الأول 2017.
    -مصطفى المعمر، افاق تحقيق التمويل الذاتي للجماعات الترابية، مجلة العلوم القانونية، التدبير المحلي والحكامة الترابية على ضوء القوانين التنظيمية الجديدة، العدد 4 ،2016.
    نصوص قانونية ووثائق :
    -دستور2011
  • الخطاب الملكي في الملتقى الوطني للجماعات المحلية بأكادير بتاريخ 12 دجنبر 2006
    -القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات
    -القانون رقم 06-47 المتعلق بجبايات الجماعات المحلية الصادر بمقتضى الظهير الشريف رقم 195-07-1 بتاريخ 19 من ذي القعدة 1428( 30 نونبر2007)، الجريدة الرسمية عدد 5583 بتاريخ 22 ذو القعدة 1428 ( 3 دجنبر 2007).
    -القانون رقم 30.89 يحدد بموجبه نظام للضرائب المستحقة للجماعات المحلية وهيئاتها الصادر بمقتضى الظهير الشريف رقم 1.89.187 بتاريخ21 من ربيع الآخر 1410 ( 21 نونبر 1989)، الجريدة الرسمية عدد 4023 بتاريخ 06/12/1989.
    -تقارير المؤسسات الدستورية:
    اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة؛
    المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي:
    النظام الضريبي المغربي: التنمية الاقتصادية والتماسك الاجتماعي؛
    من أجل نظام جبائي يشكل دعامة أساسية لبناء النموذج التنموي الجديد.
    المجلس الأعلى للحسابات؛
    تقرير حول الجبايات المحلية؛
    تقرير المجلس برسم سنة 2015؛
 

المنشورات ذات الصلة

هذا المحتوى محمي
Scroll to Top