الرقابة على دستورية القوانين التنظيمية ذات الصلة بالانتخابات

أولى المشرع مكانة مهمة للمحكمة الدستورية حيث خصها بالباب الثامن من الدستور من الفصل 129 الى134 منه ، حيث تضمنت هذه الفصول إداث المحكمة الدستورية ، تأليفها قواعد تنظيمها وسيرها والاجراءات المتبعا امامها ووضعية اعضائها وكذا اختصاصاتها والتي نص بخصوصها الفصل الفصل 132 على أنه :<< تمارس المحكمة الدستورية الاختصاصات المسندة اليها بفصول الدستور ، وبأحكام القوانين التنظيمية ، وتبت بالاضاة الى ذلك في صحة انتخاب اعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء .
تحال الى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل اصدار الامر بتنفيذها والانظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور .
يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور.
تبت المحكمة الدستورية في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من هذا الفصل، داخل أجل شهر من تاريخ الإحالة. غير أن هذا الأجل يُخفض في حالة الاستعجال إلى ثمانية أيام، بطلب من الحكومة.
تؤدي الإحالة إلى المحكمة الدستورية في هذه الحالات، إلى وقف سريان أجل إصدار الأمر بالتنفيذ.
تبت المحكمة الدستورية في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، داخل أجل سنة، ابتداء من تاريخ انقضاء أجل تقديم الطعون إليها. غير أن للمحكمة تجاوز هذا الأجل بموجب قرار معلل، إذا استوجب ذلك عدد الطعون المرفوعة إليها، أو استلزم ذلك الطعن المقدم إليها.>>
تطور المحكمة الدستورية انطلق بالمغرب مع أول دستور مغربي حيث كان المجلس الاعلى يضم الغرفة الدستورية الى جانب باقي غرفه [1].
وقد تم الاحتفاظ بالغرفة الدستورية في ظل دستور 1970 [2]بموجب الفصل الثالث والتسعين منه ، وكذا دستور 1972[3] في فصله الرابع والتسعين.
غير أنه مع سنة 1992 سيتم الغاء الغرفة الدستورية وسيحل محلها المجلس الدستوري[4] ، بموجب الفصل السادس والسبعون من دستور 1992[5]  ، وسيتم الاحتفاظ بنفس المؤسسة في دستور1996 [6] بموجب فصله الثامن والسبعون.
أما دستور 2011 [7] فقد نص الفصل 129 منه  على انه :<<تحدث محكمة دستورية >>  مع التنصيص على أن يستمر المجلس الدستوري القائم حاليا في ممارسة صلاحياته   إلى أن يتم  تنصيب المحكمة الدستورية، عملا بأحكام الفصل 177 من الدستور ومقتضيات الفقرة الأولى من المادة 48 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية[8].
اختصاصات المحكمة الدستورية وان كانت ترتبط أساسا بمراقبة دستورية القوانين ، فإن الدور الثاني المتعلق بدورها في النظر في الاستفتاء وفي الطعون الانتخابية التي تندرج في اطار اختصاصها لا يقل أهمية ، بل ان اختصاصاتها تتعدى مجرد البت في طعن انتخابي وضمان سلامته إلى مهمة أسمى وارفع في تجويد وسلامة العملية الانتخابية ككل .
فمسألة التجويد ترتبط بدور المحكمة الدستورية في جودة النص القانوني المتعلق بالانتخابات ، بينما ترتبط سلامة العملية الانتخابية بالتطبيق السليم للنص القانوني .
الحرص على تجويد وسلامة العمليات الانتخابية تتضح أكثر من خلال قرارات المجلس الدستوري التي لها ارتباط وثيق سواء بتجويد النص القانوني والحرص على دستوريته ، وعلى مدى استجابته لروح مقتضيات الدستور ،إذ اتيح للمحكمة الدستورية أن تبرز موقفها من مبدأ المناصفة ، مسألة الترحال السياسي .
   الفصل132  من الدستور المغربي نص على أنه  لا يمكن تطبيق القوانين التنظيمية الابعد احالتها على المحكمة الدستورية والتصريح بمطابقتها للدستور ، وهنا يتضح دور المحكمة الدستورية في تجويد النص القانوني المتعلق بالعملية الانتخابية .
وهنا يبرز أكثر دور المحكمة الدستورية خاصة وأن  الانتخابات المتعلقة بالجماعات الترابية منصوص على انه يجب تنظيمها بموجب قانون تنظيمي طبقا للفصل 146 من الدستور الذي نص على أنه :<< تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة :
شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الاخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية ، وعدد أعضاء مجالسها ، والقواعد المتعلقة باهلية الترشيح ، وحالات التنافي ، وحالات منع الجمع يبن الانتدابات ، وكذا النظام الانتخابي واحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة ….>>
وهذا سنوضحه من خلال قرار المجلس الدستوري عدد 970/15 م د بتاريخ 12 يوليوز 2015 ، ويتعلق هذا القرار برسالة الاحالة من رئيس الحكومة للقانون التنظيمي رقم 34.15 للنظر في مدى مطابقته للقانون  القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.173 بتاريخ 24 من ذي الحجة 1432 (21 نوفمبر 2011).
ومن المهم أن نشير بأن تعديل القانون 59.11 يأتي تفعيلا للفصل 146 من الدستور المشار اليه أعلاه.
وبمناسبة بت المجلس الدستوري في مراقبة هذا القانون التنظيمي للدستور اتيح له ان يبدي رأيه في عدة نقط تهم جوهر العملية الانتخابية .
أولا : تحالف الاحزاب :
للاحزاب اهمية كبرى في الحياة السياسية ولها دور كبير في ترسيخ الديمقراطية التمثيلية ، وتبعا لذلك فقد حظيت في اطار دستور 2011 بمجموعة من الضمانات منها ما نص عيه الفص السابع من الدستور الذي جاء : <<تعمل الاحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي ، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام ، وتساهم في التعبير عن ارادة الناخبين ، والمشاركة في ممارسة السلطة ، على أساس التعددية والتناوب ، بالوسائل الديمقراطية ، وفي نطاق المؤسسات الدستورية .
……..يحدد قانون تنظيمي ، في اطار المبادئ المشار اليها في هذا الفصل القواعد المتعلقة بصفة خاصة بتأسيس الاحزاب السياسية وانشطتها ومعايير تخويلها الدعم المالي للدولة وكيفيات مراقبة تمويلها.>>
وتبعا لذلك فقد صدر القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالاحزاب السايسية[9] الذي تم تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي رقم 33.15 [10].
وبخصوص هذا الموضوع من المهم الاشارة الى قرار المجلس الدستوري  رقم 15/969  والذي جاء فيه : << …حيث إن هذه المادة  55.1 تنص على أنه “يمكن لحزبين سياسيين أو أكثر أن تؤلف تحالفا فيما بينها بمناسبة انتخابات أعضاء المجالس الجماعية والجهوية، ويسري التحالف على الصعيد الوطني، ولا يجوز لحزب سياسي أن ينتمي إلى أكثر من تحالف واحد برسم نفس الانتخابات”، وأنه “يمكن لتحالف أحزاب سياسية أن يقدم بتزكية منه لوائح تضم مترشحين ينتسبون وجوبا للأحزاب المؤلفة له كلها أو بعضها عند الاقتضاء، ويشار في لوائح الترشيح إلى الانتماء السياسي لكل مترشح، كما يمكن للتحالف أن يقدم بتزكية منه مترشحين ينتسبون وجوبا لأحد الأحزاب المؤلفة له في الدوائر الانتخابية التي يجري فيها الانتخاب عن طريق الاقتراع الفردي”، وأن هذه الأحكام تطبق أيضا في شأن انتخابات أعضاء الغرف المهنية؛
وحيث إن نهوض الأحزاب السياسية بالمهام المنوطة بها، بموجب الفصل السابع من الدستور، يتيح لها التعاون فيما بينها؛
وحيث إن التعاون بين الأحزاب السياسية يمكن أن يكتسي أشكالا عدة، من ضمنها التحالف بين حزبين أو أكثر؛
وحيث إنه، يعود للمشرع أن يخضع كل شكل من أشكال هذا التعاون لضوابط وشروط خاصة، طالما أنها لا تتعارض مع أحكام الدستور؛
وحيث إنه، ليس في الدستور ما يحول دون تأليف حزبين سياسيين أو أكثر لتحالف فيما بينها بمناسبة انتخابات أعضاء المجالس الجماعية والجهوية وكذا أعضاء الغرف المهنية، ما دامت لوائح الترشيح المقدمة بتزكية من هذا التحالف لخوض الانتخابات المذكورة يشار فيها إلى الانتماء السياسي لكل مترشح، وما دام المترشحون الذين يقوم التحالف بتزكيتهم في الدوائر الانتخابية التي يجري فيها الانتخاب عن طريق الاقتراع الفردي يشترط فيهم الانتساب وجوبا لأحد الأحزاب المؤلفة له؛
وحيث إن الشروط المذكورة تتيح للناخبين التعرف المسبق على الانتماء السياسي للمترشحين في إطار تحالف انتخابي، وتتيح للأحزاب السياسية المؤلفة للتحالف احتساب الأعضاء المنتمين إليها الفائزين بالمقاعد عقب إعلان نتائج هذه الانتخابات؛
وحيث إنه، بناء على ذلك، فليس في المادة 55.1 المذكورة أعلاه ما يخالف الدستور؛>>
وفي إطار اصلاح الشأن، الحزبي وادخال تحسينات تشريعية نصت المادة 7-8-10 و11  من القانون التنظيمي 34.15 على امكانية أن تقدم الاحزاب ترشيحا مشتركا لتحالفات الأحزاب السياسية بالمشاركة في انتخابات أعضاء مجالس الجماعات الترابية، من خلال تمكينها من تقديم لوائح ترشيح باسمها وتخصيص رمز خاص بها وترتيب الترشيحات المقدمة بتزكية منها في الإطارات المخصصة للترشيحات في ورقة التصويت الفريدة.
فيما يخص المواد المشار اليها فقد ارتأى المجلس الدستوري على أن أن هذه المواد مطابقة للدستور .
واذا كان هذا المستجد يصب في اطار الحكامة الانتخابية واصلاح الشان الحزبي ، فإن الانتخابات الجهوية والجماعية لرابع شتنبر 2015  وكذا انتخابات اعضاء مجلس المستشارين أبانت عن تحالفات هجينة ، بل غير مقبولة ،تحالفات انبنت على منطق حسابي ضيق تنحصر في اطار الفوز بالمنصب دون ان تراعي حتى توجهات الاجهزة المسيرة للحزب .
وارتباطا بهذا الموضوع نص الفصل 60 من الدستور على أنه :<< يجرد من صفة عضو في أحد المجلسين كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات ، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي اليها .
وتصرح المحكمة الدستورية بشغور المقعد بناء على احالة من رئيس المجلي الذي يعنيه الامر ، وذلك وفق أحكام النظام الداخلي للمجلس المعني ، الذي يحدد أيضا آجال ومسطرة الاحالة على المحكمة الدستورية .>>
وقد أتيح للمجلس الدستوري أن يوضح مقتضيات هذا الفصل وخاصة مصطلح تخلي العضو المنتخب عن انتمائه السياسي ، وهل للبرلمان الحق في التوسع في تفيسر مقتضى دستوري ؟ ثم هل للمجلس الدستوري  رقابة على صحة التفسير المعطى من المشرع لمقتضيات الوثيقة الدستورية.
ويتعلق الامر بقرار المجلس الدستوري[11] الذي نظر في مدى دستورية المادة 20 من القانون التنظيمي رقم 33.15، المعروض على نظر المجلس الدستوري، القاضي بتتميم وتغيير القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالاحزاب السياسية .[12]
حيث إن المادة 41 من القانون التنظيمي رقم 33.15 المتعلق بالاحزاب السياسية تنص على أنه “لا يمكن لعضو في أحد مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية أو في الغرف المهنية التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، تحت طائلة تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المذكورة”؛ وحيث إن الفقرة الثانية المضافة إلى هذه المادة، بموجب القانون التنظيمي رقم 33.15، تنص على أنه “يعتبر كل عضو في وضعية التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، في مفهوم هذا القانون التنظيمي، إذا قرر الحزب وضع حد لانتمائه إليه، وذلك بعد الالتزام بالاجراءات المنصوص عليها في النظام الاساسي للحزب في هذا الشأن واستنفاد مسطرة الطعن القضائي عند الاقتضاء”
لقد اعتبرت المحكمة الدستورية بأن هذه التعديلات غير دستورية وذلك باعتمادها على التعليلات الاتية :
لقد اعتبرت أن حالة تخلي العضو عن انتمائه الساياسي الذي ترشح به أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي اليها ، وفق منطوق المادة 61 تتحقق فقط عندما يتخلى العضو المنتخب اراديا ؛
إذا تخلى العضو المنتخب اراديا عن انتمائه السياسي أو عن الفريق أو المجموعة التي ينتمي اليها يطاله الجزاء المنصوص عليه دستوريا وهو التجريد ؛
لقد فسر المجلس الدستوري مقتضيات هذه المادة بأن جزاء التجريد محدد على سبيل الحصر لحالة تخلي العضو المنتخب عن انتمائه السياسي او عن الفريق او المجموعة التي ينتمي اليها ، وليس جزاء لفقدان المنصب باعتبار أن التخلي المنصوص عليه في الفصل 61 تخلي ارادي ،بينما الفقدان قد ينتج عن أي سبب آخر؛
ان المجلس الدستوري أشار الى نقطة جد مهمة تتعلق بحدود اختصاصات البرلمان ، فلئن كان من حق البرلمان أن يعدل النصوص القانونية ،فانه يبقى مقيدا في حدود نصوص الدستور وليس من حقه اعطاء تفسيرأو تأويل خاطئ لمقتضياته ؛
أوضح المجلس الدستوري أيضا أن إيجاد آلية للاحزاب السياسية للتجريد من صفة عضو في مجالس الجماعات الترابية والغرف المهنية يضع حدا لانتداب ممثلي المواطنات والمواطنين في المؤسسات المنتخبة بالاقتراح الحر والنزيه أمر يخالف المقتضيات الدستورية .، فالدستور حدد جزاء التجريد لحالة محددة قانونا وليس من حق المشرع اذن عبر قانون تنظيمي أن يضيف حالة أخرى.
وتبعا لذلك صرح المجلس الدستوري بعد دستورية هذا المقتضى.
 ثانيا : تحسين تمثيلية النساء
نصت الفقرة الثانية من الفصل 19 من الدستور المغربي على أن الدولة تسعى إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء.
كما أن الفقرة الأولى من فصله 30 نصت على ضرورة أن ينص القانون على مقتضيات من شأنها تشجيع تكافؤ الفرص بين النساء والرجال في ولوج الوظائف الانتخابية.
وهو نفس التوجه الذي حث عليه الفصل 146 من الدستورحيث نص  على أن القانون التنظيمي المتعلق بمجالس الجماعات الترابية يتعين أن يتضمن أحكاما تهم تحسين تمثيلية النساء داخل هذه المجالس.
وهذا ما تضمنه القانون التنظيمي لانتخاب اعضاء الجماعات الترابية وعلى الخصوص المادتين 76 و77، لكن ما هو موقف المجلس الدستوري حول مدى دستورية هذه المقتضيات ؟
      تنص المادة 76 :<< يشكل النفوذ الترابي للعمالة أو الاقليم أو عمالة المقاطعات أساس التقطيع الانتخابي للجهة.
تحدث على صعيد كل عمالة أو اقليم أو عمالة مقاطعات دائرتان انتخابيتان يشمل النفوذ الترابي لكل واحدة منهما النفوذ الترابي للعمالة أو الاقليم أو عمالة المقاطعات المعنية.
تخصص احدى الدائرتين الانتخابيتين للنساء ، ولا يحول ذلك دون حقهن في الترشح في الدائرة الانتخابية الاخرى.>>
أما المادة 77 فنصت على أنه :<< يحدد بموجب مرسوم يحدد باقتراح من وزير الداخلية عدد الاعضاء الواجب انتخابهم في مجلس كل جهة وتوزيع عدد المقاعد على العمالات والاقاليم وعمالات المقاطعات المكونة لكل جهة وتوزيع عدد المقاعد بين الدائرتين الانتخابيتين .ويجب أن يمثل عدد مقاعد الدائرة الانتخابية المخصصة للنساء في كل عمالة أو اقليم أو عمالة مقاطعات على الاقل ثلث عدد المقاعد المخصصة للعمالة أو الاقليم أو عمالة المقاطعات المعنية برسم مجلس الجهة…>>
وبقراءة قرار المجلس الدستوري يتضح ما يلي :
المجلس الدستوري اعتبر  أن المقتضيات المتعلقة بتيسير ولوج النساء للوظائف الانتخابية تتعارض أساسا مع مبدأ المساواة ، المبادئ الأساسيةالثابتة التي يرتكز عليها الدستور في مضمار ممارسة الحقوق السياسية، والمتمثلة بالخصوص في المواطنة وحرية الانتخاب والترشيح من خلال اقتراع عام خاضع لنفس القواعد والشروط  وقائم على أساس مبادئ المساواة، وتكــافؤ الفرص، وحظر ومكافحة كل أشكال التمييز، وفق ما ينص عليه الدستور في تصديره وفي فصوله 2 (الفقرة الثانية) و6 (الفقرة الأولى) و19 (الفقرة الأولى) و30 (المقطع الثاني من الفقرة الأولى)،
ومع ذلك فقد صرح المجلس الدستوري بمطابقة هذه المقتضيات للدستور في قراره بالاستناد الى مفهومين أساسيين :
المفهوم الاول ويتعلق بالسلطة التقديرية للمشرع حيث اعتبر المجلس الدستوري أن ليس من صلاحياته التعقيب على السلطة التقديرية للمشرع في اختيار نوعية التدابير التشريعية التي يرتضيها سبيلا لبلوغ أهداف أو تطبيق مقتضيات مقررة في الدستور، طالما أن ذلك لا يخالف أحكام هذا الأخير؛
المفهوم الثاني : ويتعلق بالصبغة الاستثنائية لتدابير تشريعية
حيث اعتبر المجلس الدستوري بأنه :<<  لئن كانت مقتضيات المواد المعدلة أو المتممة سالفة الذكر جاءت لإعمال أهداف وأحكام مقررة في الدستور، فإنه يتعين في هذا المجال أيضا استحضار وهي مبادئ لا تسمح بإضفاء صبغة الديمومة على تدابير قانونية استثنائية تمليها دواع مرحلية ترمي بالأساس إلى الارتقاء بتمثيلية النساء وتمكينهن من ممارسة مهام ومسؤوليات انتخابية داخل مجالس الجهات ومجالس الجماعات والمقاطعات، قصد الانخراط بنجاح في النظام الانتخابي العام .>>
المجلس الدستوري يعتبر أي بأن السلطة التقديرية للمشرع لا تعني فقط اختيار المشرع للمقتضيات التي يرى بأنها الكفيلة لبلوغ أهداف دستورية أي تمكين النساء من الوصول الى الوظائف الانتخابية ، بل السلطة التشريعية كما أكد ذلك المجلس الدستوري تمتد الى أن المشرع هو المختص بوضع حد لهذه المقتضيات متى تبين له تحقق وبلوغ الاهداف التي من أجلها أحدثت التدابير الاستثنائية .
المفهوم الثالث : تحفظ المجلس الدستوري
مقابل التدابير الاستثنائية ومفهوم السلطة التقديرية للمشرع ، فقد أبدى المجلس الدستوري على أن التدابير المتعلقة بتمثيلية النساء يجب الا تكتسي صفة الديمومة ، والذي نفهم منه أنه  ما كان للمجلس الدستوري أن يصرح بمطابقة هذه المقتضيات للدستور لولا ذاك الطابع الاستثنائي  للتدابير المتعلقة التمثيلية النساء .
وهكذا أكد المجلس الدستوري أن :
تخصيص ثلث المقاعد على الأقل للنساء في كل دائرة انتخابية، فيما يخص انتخاب أعضاء مجالس الجهات؛
تخصيص عدد من المقاعد، محدد بصفة مسبقة، في مجالس الجماعات والمقاطعات؛
واعتبار المترشحة الوارد اسمها في المرتبة الأولى بالنسبة للجزء المخصص للنساء بمثابة رأس لائحة ولها نفس الحقوق المخولة لرأس لائحة الترشيح المعنية.
هي مقتضيات مرحلية يتوقف العمل بها بمجرد تحقق الأهداف التي بررت اللجوء إليها، وهو أمر يعود تقديره للمشرع؛
ثالثا : الجريمة الانتخابية
بموجب القانون التنظيمي لانتخابات الجماعات الترابية ادخلت تعديلات على المادتين 35 و43 الهدف منها تحصين العمليات الانتخابية من المخالفات التي قد تشوبها وخاصة أثناء الحملة الانتخابية ، حيث من جهة عمل المشرع من سن عقوبة تتراوح بين 10000و50000 عن كل اخلال ، كما احالت أيضا الى المخالفات الواردة بالمادة 118 من القانون 59.11 .
والمجلس الدستوري وهو يبت في مدى دستورية هذه المقتضيات اعتمد على الفصل 23 من الدستور المغربي الذي ينص على أنه :<< لا يجوز القاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو ادانته ، الا في الحالات وطبق الاجراءات التي ينص عليها القانون ….قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان ..>>
المجلس الدستوري أيضا أجاب على سؤال أساسي يتعلق بمدى احقية البرلمان في تعديل المقتضيات المتعلقة بالجريمة الانتخابية وسنها ، ولذلك استند الى الفصل 71 من الدستور الذي ينص على أن :<< يختص القانون بالاضافة الى المواد المسندة اليه صراحة بفصول الدستور ، بالتشريع في الميادين التالية :
-…..
–  …..
تحديد الجرائم والعقوبات الجارية عليه ؛
-….>>.
وتتعلق المقتضيات التي عالجتها المادتين 35 و43 من القانون التنظمي لانتخاب اعضاء الجماعت الترابية بما يلي :
المادة35 ألزمت أصحاب الإعلانات الانتخابية وكذا المؤسسات أو الأشخاص الذين يقومون بإعدادها أو تعليقها أو توزيعها بالتقيد بأحكام المادة 118 من القانون رقم 57.11 المتعلق باللوائح الانتخابية العامة وعمليات الاستفتاء واستعمال وسائل الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية والاستفتائية، كما منعت تعليق الإعلانات الانتخابية في الأماكن والتجهيزات التي تحدد أصنافها بمرسوم يتخذ باقتراح من وزير الداخلية؛
المادة 118 من القانون رقم 57.11، المحال عليها، حددت بدقة المواد التي لا يجوز، بأي شكل من الأشكال، أن تتضمنها برامج الفترة الانتخابية والبرامج المعدة للحملة الانتخابية ؛
المادة43 نصت على أنه، دون الإخلال بالعقوبات الجنائية الأشد، يعاقب بغرامة من 10.000 إلى 50.000 درهم عن كل إخلال بالقواعد المنصوص عليها في المادة 35 .
والملاحظ أن هذه الجرائم كانت سببا وجيها للطعن في نتيجة العملية الانتخابية أمام المحكمة الدستوية.
[1]  الفصل 100 من الدستور المغربي لسنة 1962 الصادر الامر بتنفيذه ظهير شريف بتاريخ 14 دجنبر 1962 الجريدة الرسمية عدد 2616 مكرر بتاريخ 19 دجنبر 1962 ،والذي نص الفصل 100 منه على أنه :<< تؤسس بالمجلس الاعلى غرفة دستورية .
يرأس هذه الغرفة الرئيس الاول للمجلس الاعلى.>>
[2]  دستور 1970 صدر الامر بتنفيذه بموجب ظهير شريف 1.70.177 بتاريخ 31 يوليوز 1970 الجريدة الرسمية 3013 مكرر بتاريخ 01 غشت 1970.
[3]  دستور 1972 صدر الامر بتنفيذه بموجب ظهير شريف 1.72.061 بتاريخ 10 مارس 1972 الجريدة الرسمية 3098 بتاريخ 15 مارس 1972.
[4]  القانون التنظيمي رقم 93-29 المتعلق بالمجلس الدستوري، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.94.124 بتاريخ 14 من رمضان1414 (25 فبراير 1994)، كما وقع تغييره وتتميمه، لاسيما الفقرة الأولى من المادة 21 والفقرة الأولى من المادة 23 منه
[5]  بموجب الدستور المراجع في سنة 1992 ظهير شريف رقم 1.92.155 صادر بتاريخ 09 أكتوبر 1992 الجريدة الرسمية عدد 4172 بتاريخ 14 أكتوبر 1992.
[6]  ظهير شريف رقم 1.96.157 الصادر بتاريخ 07 أكتوبر 1996 بتنفيذ نص الدستور المراجع الجريدة الرسمية عدد 4420 بتاريخ 10 أكتوبر 1996.
[7]  الدستور، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 27 من شعبان 1432 (29 يوليو2011)
[8]  القانون التنظيمي رقم 066.13 المتعلق بالمحكمة الدستورية، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.139 بتاريخ 16 من شوال 1435(13 أغسطس 2014)؛
[9] الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.11.166بتاريخ 24 من ذي القعدة 1432( 22أكتوبر2011
[10]  صادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.15.89 بتاريخ 16 يوليوز 2015 الجريدة الرسمية عدد 6380 بتاريخ 23 يوليوز 2015.
[11]  قرار المجلس الدستوري عدد 15/969 بتاريخ 12 يوليوز 2015 ملف عدد 15/1428
[12]  الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم1.11.166بتاريخ 24 من ذي القعدة 1432( 22أكتوبر2011.

المنشورات ذات الصلة

هذا المحتوى محمي
Scroll to Top