السلطة التنظيمية بين الثبات والتغير على ضوء الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 إعداد ذ عبد الواحد القريشي

السلطة التنظيمية بين الثبات والتغير على ضوء الخطاب الملكي
لتاسع مارس 2011
إعداد : ذ / عبد الواحد القريشي
المغرب بلد الظهائر ، هكذا وصف احد الباحثين الأجانب الإطار القانوني المؤطر للحياة القانونية والسياسية بالمغرب ، وإذا كان لهذا القول جانب كبير من الصحة ،فهل من الممكن أن نقول على هذا المنوال بأن المغرب بلد المبادرات الملكية .
نعم يمكن أن نؤكد هذه المقولة وبالأخص منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش من خلال ما أقدم عليه من مفاهيم وآليات جديدة كالمفهوم الجديد للسلطة ،المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة ،المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، إصلاح القضاء ، المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، مؤسسة الوسيط …ثم ما تضمنه الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 حول الإصلاح الدستوري .
نعم كلها مبادرات أساسية من أجل التأسيس لدولة الحق والمؤسسات بما تعني تكريس مقومات أساسية تتمثل فيما يلي :
ضمان حماية الحقوق الفردية والجماعية ؛
ترسيخ مبدأ الفصل بين السلط؛
ضمان استقلالية القضاء؛
دعم قيم المواطنة الحقة.
إننا بقدر اعتقادنا بأهمية تضمن الوثيقة الدستورية لهذه المقومات،وبأهمية المبادرات الملكية الهادفة إلى إحداث مؤسسات بهدف ترسيخ قيم الديمقراطية الممكنة من تداول السلطة ، بقدر إيماننا العميق واعتقادنا الراسخ بان المفتاح الأساسي لتحقيق هذه الأهداف هو المواطن الواعي بحقوقه ،المؤدي لواجباته،العارف بواقعه والطامح إلى الرقي به إلى الأحسن.
وانطلاقا من إيماننا أيضا بأن المواطنة الحقة هي مفتاح التنمية ، واسها ما في التعريف بالمستجدات التي يعرفها المغرب وفي نشر الثقافة القانونية والحقوقية بما يكفل التأسيس لمجتمع المواطنة ،نعتقد بلا يدع مجالا للشك أن الحق في المواطنة هو جوهر الحقوق ودعامتها الأساسية وهو الضمانة الأساسية للاستفادة من كافة الحقوق و أجرأتها ، فالحق في المواطنة, وبالمقابل واجب المواطنة هو الدعامة الأساسية لبناء دولة الحق والمؤسسات.
و انطلاقا من هذا الواجب وارتباطا بما جاء في الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 نود أن نلامس موضوعا أساسيا ويتعلق الأمر بالسلطة التنظيمية ، فما المقصود السلطة التنظيمية ؟ كيف تمت معالجتها في الدساتير السابقة وما الدواعي التي تحكمت في الصياغة القانونية لفصول الدستور المتعلقة بهذا الموضوع ؟
إن السلطة التنظيمية تعني مجموعة التدابير العامة اللازمة لحسن سير المرافق بكل انتظام و اضطراد من طرف الجهات المختصة وفقا للتشريع الوطني لكل دولة
وفي نفس الاتجاه ذهب البعض إلى أن السلطة التنظيمية تعني اتخاذ التدابير العامة اللازمة لتنفيذ القوانين مع إشارته إلى أن جزء من السلطة التنظيمية يتجسد فيما يسمى بالسلطة التنظيمية المستقلة الناتجة عن تحديد مجال القانون في الدستور .
وبالرجوع إلى التجربة المغربية نجد أن مجال السلطة التنظيمية المستقلة قد عرف تطورا ملحوظا حيث عرفت الدساتير المغربية تعديلات مهمة لحقت على الخصوص الفصل التاسع والعشرين.
ومن جهة أخرى وبالاعتماد على دستور 1996 فان من المفيد أيضا تحديد مجال السلطة التنظيمية وأشكال اتخاذها سواء من طرف الملك أومن طرف الحكومة مع إبداء رأينا حول التعديلات التي من الممكن أن يتضمنها الدستور المرتقب.
الفقرة الأولى : مجال و اختصاصات السلطة التنظيمية
تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلط تسعى الدساتير إلى تحديد ووضع قواعد منظمة لاختصاص كل سلطة ، ومما لا شك فيه أن توزيع السلط يحيل حتما إلى نوعية النظام السياسي السائد وإلى ظروف سياسية يكون لها دور كبير في رسم القواعد القانونية وهو الأمر الذي ينطبق إلى حد كبير على التجربة المغربية.
أولا : السلطات المختصة بالمجال التنظيمي
تطور إسناد السلطة التنظيمية في التاريخ الدستوري المغربي تبعا للتعديلات الدستورية وتبعا للصياغة القانونية المضمنة بنصوص الدستور.
أ – السلطة المختصة بالمجال التنظيمي من خلال دستور 1962.
بالرجوع إلى مقتضيات هذا النص نجد أن السلطة التنظيمية يمكن أن تمارس إما من طرف الملك أو من طرف الوزير الأول ، فالفصل التاسع والعشرون نص على أنه :” يمارس الملك السلطة التنظيمية في الميادين المقصورة عليه بصريح نص الدستور .
المراسيم الملكية توقع بالعطف من طرف الوزير الأول ماعدا المراسيم الملكية المنصوص عليها بالفصول 24-35-72-77-84-91و101.”
كما أن الفصل 110 ينص على أنه:” إلى أن يتم تنصيب البرلمان يتخذ جلالة الملك التدابير التشريعية والتنظيمية اللازمة لإقامة المؤسسات الدستورية ولتدبير شؤون الدولة.”
إن مجال السلطة التنظيمية لم يقتصر إبان هذه الفترة على جلالة الملك بل أسندت هذه السلطة أيضا للوزير الأول حيث نص الفصل الثامن والستون من دستور 1962 على أنه:” يمارس الوزير الأول السلطة التنظيمية فيما عدا المواد التي يصرح الدستور بإسنادها إلى سلطة الملك التنظيمية .
تحمل المقررات التنظيمية الصادرة عن الوزير الأول التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها .”
من خلال ما سبق يتضح أن مجال السلطة التنظيمية إما يمارس من طرف جلالة الملك بموجب مرسوم ملكي أو من طرف الوزير الأول بموجب مرسوم.
وبالرغم ما تتيحه هذه النصوص من اختصاص لكلا المؤسستين فان الممارسة لم تثبت توازنا بينهما في هذا المجال بقدر ما أثبتت تركيزا في ممارسة هذه السلطة حسب الفترات .
ففي الفترة الممتدة ما بين 13 نونبر 1963 و07 يونيو 1965 يلاحظ أن الوزير الأول وكذا وزير الدفاع الوطني هما اللذين مارسا السلطة التنظيمية ولم يصدر عن الملك سوى قرارات فردية فحسب .
إلا انه مع حالة الاستثناء بتاريخ 07 يونيو 1965 وإلى غاية دستور 1970 فان السلطة التنظيمية إما تمت ممارستها أصالة بمقتضى مراسيم ملكية أو بالتوقيع بالعطف على المراسيم الملكية مذيلة بالصيغة (عن جلالة الملك وبأمر من).
ب – توزيع السلطة التنظيمية المستقلة من خلال دستور 1970 والدساتير اللاحقة
ينص الفصل 29 على أنه:” يمارس الملك السلطة التنظيمية وتحدد ظهائر شريفة
الميادين التي يفوض فيها الملك هذه السلطة للوزير الأول
الظهائر الشريفة توقع بالعطف من الوزير الأول ما عدا الظهائر المنصوص عليها في هذا الفصل والفصول 21-24-35-66-69-77-84و 94″
وبقراءة هذا الفصل يتضح أن ممارسة السلطة التنظيمية أصبحت مركزة بيد الملك و لا يمكن للوزير الأول أن يمارسها إلا بناء على تفويض ، وانسجاما مع ذلك نص الفصل 62 من نفس الدستور على أنه:” تحمل التدابير التنظيمية الصادرة عن الوزير الأول في حدود التفويض المنصوص عليه في الفصل 29 التوقيع بالعطف من لدن الوزير المكلف بتنفيذها .”
بلا شك فان هذا التعديل قيد دور من مجال تدخل الوزير الأول ، ما يجعل تطبيق مقتضيات الفصل 60 أمرا عسيرا .
ولتجاوز هذه الوضعية فقد تغيرت صيغة الفصل 29 بدستور 1972 حيث جاء فيها :”يمارس الملك بمقتضى ظهائر السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور ، الظهائر الشريفة توقع بالعطف من لدن الوزير الأول ما عدا الظهائر المنصوص عليها في الفصول 21 المقطع الثاني ،24،35،68، 70،72، 78،85،95 و100.”
وهكذا يلاحظ ما يلي :
  • بمقتضى هذا الفصل أصبح الملك يمارس السلطات المخولة له وليس السلطة التنظيمية تحديدا ؛
  • أزيلت العبارة التي تنص على إمكانية تفويض السلطة التنظيمية للوزير الأول .
    وانسجاما مع هذا فقد نص الفصل 62 على انه:” يمارس الوزير الأول السلطة التنظيمية
    تحمل مقررات السلطة التنظيمية التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها.”
    وهذا ما يستنتج معه تقوية دور الوزير الأول من جديد وإتاحته اختصاصا أصيلا لممارسة السلطة التنظيمية وهو الوضع الذي ظل قائما في ظل دستوري 1992 و1996 وهذا ما ينسجم أيضا مع التعديلات التي تنحو نحو تقوية دور مؤسسة الوزير الأول .
    هذا ويؤكد أستاذنا رضوان بوجمعة على أن السلطة التنظيمية تعد جزء من السلطات المخولة للملك والتي يمكن أن يمارسها في أي وقت بمقتضى ظهائر.
    وهذا ما يمكننا من القول بأن توزيع ممارسة السلطة التنظيمية المقررة في ظل دساتير 1972و 1992و 1996 هو نفس التوزيع الذي أقره دستور 1962، مع الإشارة إلى أن واقع ممارستها مختلف تماما.
    وهو ما يجعلنا نؤكد أيضا أن هذا التوزيع أملته الظروف السياسية التي عرفها التاريخ المغربي .
    ثانيا : مجال السلطة التنظيمية
    يقصد بمجال السلطة التنظيمية نطاق تدخل السلطات المختصة بالمجال التنظيمي وفق ما هو متاح قانونا ، وبالاطلاع على الدساتير المغربية نقف على مسألتين أساسيتين:
    الأولى : تتمثل في أن مجال السلطة التنظيمية تم تحديده سلبا وذلك عن طريق تحديد المجالات التي تندرج في إطار القانون.
    الثانية : تمت إضافة بعض المجالات إلى مجال التشريع لم تكن مندرجة في إطار دستوري 1962 و1970، ذلك أن الفصل 48 من دستور 1962 على انه :” يختص القانون بالإضافة إلى المواد المسندة إليه بفصول أخرى من الدستور بالتشريع في الميادين الآتية :
  • الحقوق الفردية والجماعية المنصوص عليها في الباب الأول من هذا الدستور ؛
  • المبادئ الأساسية للقانون المدني والقانون الجنائي ؛
  • تنظيم القضاء بالمملكة ؛
  • الضمانات الأساسية الممنوحة لموظفي الدولة المدنيين والعسكريين ؛
    ويمكن أن يحدد ويتمم هذه المقتضيات قانون تنظيمي “
    نعم إن الفصل أعلاه حدد مجال التشريع مع الإشارة إلى انه يمكن لهذا المجال أن يخضع للتغيير بموجب قانون تنظيمي ، غير أن هذا التحديد مهم لكون الفصل 49 نص على انه:” أن المواد الأخرى التي ليست من اختصاص القانون هي من حيز النصوص التنظيمية “
    كما أن الفصل 50 نص على انه :” إن النصوص الصادرة في صيغة قانون قبل الإعلان بإجراء العمل بهذا الدستور يمكن تغيرها بمرسوم بعد رأي مطابق من الغرفة الدستورية بالمجلس الأعلى إذا كان مضمون تلك النصوص داخلا في اختصاص السلطة التنظيمية .”
    هذا ونشير إلى أن دستور 1970 قد احتفظ بنفس التحديد مع تعديل أساسي اقتضاه انتقال السلطة التنظيمية إلى جلالة الملك، ويتعلق الأمر بأن النصوص الصادرة في صيغة قانون قبل الإعلان بإجراء العمل بهذا الدستور يمكن تغييرها بمرسوم ، فإمكانية التغيير أصبحت تتم بمقتضى ظهائر شريفة بدلا من مراسيم، مع الإشارة إلى أن الفصل السابع والأربعين احتفظ بمسالة الرأي المطابق للغرفة الدستورية .
    ومع دستور 1972 والدساتير اللاحقة له نجد أنه تم استبعاد مجالات أخرى من المجال التنظيمي وإدراجها بمجال القانون وهذه المجالات هي :
  • النظام الأساسي للوظيفة العمومية ؛
  • النظام الانتخابي لمجالس الجماعات المحلية ؛
  • نظام الالتزامات المدنية والتجارية ؛
  • إحداث المؤسسات العمومية ؛
  • تأميم المنشآت ونقلها من القطاع العام إلى القطاع الخاص.
    كما تم التنصيص في الفقرة الأخيرة من الفصل 45 على أنه :” لمجلس النواب الصلاحية للتصويت على قوانين تضع إطار الأهداف الأساسية لنشاط الدولة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .”
    وعلى ضوء ما سبق يمكن إبداء الملاحظات الأساسية التالية :
  • إن تحديد ما يندرج في المجال التنظيمي من غيره محدد بنص الدستور وبالتالي فإنه لا يمكن تعديله إلا بإحدى إمكانيتين :
    الإمكانية الأولى : تعديل نص الدستور بخلاف ما كان منصوصا عليه في ظل دستور 1962 1970 من أن هذا الأمر يمكن أن يتم بموجب قانون تنظيمي ؛
    الإمكانية الثانية : تتمثل في تعديل نصوص سبق تنظيمها بموجب قانون لكن بعد الرأي المطابق للمجلس الدستوري .
  • نعتقد أيضا أن مجال القانون أضحى أكثر اتساعا مع الصلاحية التي أتيحت للسلطة التشريعية للتصويت على قوانين تضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبالرغم من تضمن الدستور لهذه المقتضيات المحددة للمجال التنظيمي ، فإن الأمر على مستوى الواقع اثبت عكس ذلك خاصة على مستوى التجربة الدستورية الفرنسية ، أثبت أيضا أن ممارسة السلطة التنظيمية تتخذ عبر عدة تصرفات قانونية.
الفقرة الثانية : أشكال تدخل السلطة التنظيمية
وفق سبق بسطه أعلاه فان السلطة التنظيمية تمارس إما من طرف جلالة الملك وإما من طرف الوزير الأول وباقي الوزراء و ممثلي الإدارة.
أولا : أشكال تدخل جلالة الملك في المجال التنظيمي
أفرزت الممارسة الدستورية بالمغرب أن تدخل الملك في المجال التنظيمي تم بإحدى طريقتين :
أ – المرسوم الملكي : Decret royal وهو الشكل القانون الذي أورده دستور 1962 ، وبواسطته يتخذ الملك اختصاصاته في جميع المجالات وفي مجال السلطة التنظيمية على الخصوص، مع الإشارة إلى أن المراسيم الملكية في مجال السلطة التنظيمية يجب أن تحمل التوقيع بالعطف من طرف الوزير الأول باستثناء المجالات المستثناة بذلك بنص الدستور.
وللإشارة أيضا فإن الممارسة الملكية في المجال لتنظيمي تم اتخاذها بموجب مراسيم ملكية حتى في حالة الاستثناء وإلى غاية دستور 1970 الذي استبدل عبارة مرسوم ملكي بعبارة ظهير شريف.
ب – الظهير الشريف: وهو الشكل القانوني الذي يمارس بواسطته الملك سلطاته سواء في المجال التنظيمي أو في باقي المجالات الأخرى ، وقد ظهرت هذه العبارة منذ دستور 1970 وتم الاحتفاظ بها في باقي الدساتير ، علما أن مصطلح الظهير قد عرف قبل ذلك وله مكانة هامة في التاريخ المغربي .
ثانيا : أشكال تدخل الحكومة في المجال التنظيمي
ينص الفصل التاسع والخمسون من دستور 1996 على أنه :” تتألف الحكومة من الوزير الأول والوزراء”
وانطلاقا من المقتضيات الدستورية ومما أثبتته الممارسة الحكومية فان السلطة التنظيمية يمكن أن تتخذ عبر الأشكال التالية :
  • المرسوم التنظيمي : وهو المرسوم الصادر عن الوزير الأول لتنظيم قضايا معينة تتسم بالعمومية والتجرد وينتفي عنها الطابع الشخصي.
  • المرسوم : وهي الحالات المنصوص عليها بنص الدستور مثلا ما جاء بالفصل 40 فيما يتعلق بختم دورة البرلمان .
  • المراسيم التنفيذية : وهي المراسيم التي تصدر خصيصا لتنفيذ قانون معين وانسجاما والفصل 61 من دستور 1996 على أنه “تعمل الحكومة على تنفيذ القوانين تحت مسؤولية الوزير الأول والإدارة موضوعة رهن تصرفها .
  • المراسيم الضبطية : وهي المراسيم أو اللوائح التي التي تقوم السلطة التنظيمية بإصدارها لحفظ الأمن والصحة والسكينة .
    هذا وحسب نص الدستور فان بإمكان الحكومة أن تتخذ بمقتضى مراسيم صلاحيات تشريعية لها قوة القانون في حالتين اثنتين :
    الحالة الأولى: مراسيم بناء على إذن: وهو ما نص عليه الفصل الخامس والأربعون على أنه:” يصدر القانون عن البرلمان بالتصويت وللقانون أن يأذن للحكومة أن تتخذ في ظرف من الزمن محدود ولغاية معينة بمقتضى مراسيم تدابير يختص القانون عادة باتخاذها ويجري العمل بهذه المراسيم بمجرد نشرها ، غير أنه يجب عرضها على البرلمان بقصد المصادقة عند انتهاء الأجل الذي حدده قانون الإذن بإصدارها ، ويبطل قانون الإذن إذا ما وقع حل مجلسي البرلمان أو أحدهما.”
    الحالة الثانية : مراسيم قوانين : وهي الحالة التي نظمها الفصل الخامس والخمسون الذي نص على أنه:” يمكن الحكومة أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات باتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين مراسيم قوانين يجب عرضها بقصد المصادقة في أثناء الدورة العادية التالية للبرلمان.
    يودع مشروع المرسوم بقانون بمكتب احد المجلسين وتناقشه اللجان المعنية في كليهما بالتتابع بغية التوصل إلى قرار مشترك في شأنه ، وإذا لم يتأت الاتفاق على ذلك داخل اجل ستة أيام من إيداع المشروع يباشر بطلب من الحكومة تشكيل لجنة ثنائية مختلطة من أعضاء المجلسين تولى في ظرف ثلاثة أيام من عرض الأمر عليها اقتراح قرار مشترك على اللجان لمختصة.
    ويعتبر الاتفاق المنصوص عليه في الفقرة الأولى من هذا الفصل مرفوضا إذا لم تتمكن اللجنة الثنائية المختلطة من اقتراح قرار مشترك داخل الأجل المضروب لها أو إذا لم توافق اللجان البرلمانية المعنية على القرار المقترح عليها داخل اجل أربعة أيام.”
    ومادام أن الإدارة موضوعة رهن تصرف الحكومة فان ممارسة السلطة التنظيمية تتم في الغالب عبر اتخاذ قرارات إدارية وذلك بالطبع في إطار ما يسمح به القانون.
    هذا ونظرا للارتباط الوثيق لممارسة السلطة التنظيمية بحقوق و حريات الأفراد والجماعات فان من الطبيعي أن تخضع لرقابة القضاء سوء في الظروف العادية أو الاستثنائية.
الفقرة الثالثة : السلطة التنظيمية و آفاق الإصلاح الدستوري
أثارت ممارسة السلطة التنظيمية سؤالا عميقا يتجلى حول مسؤولية وفعالية الأداء الحكومي خاصة عندما تمارس هذه السلطة من طرف جلالة الملك ثم خضوع هذه السلطة للمراقبة وحدود تدخلها .
أولا: مرتكزات إصلاح مجال السلطة التنظيمية
إن أهم أسس إصلاح مجال السلطة التنظيمية يجب أن ينبني على ربط الاختصاص أو السلطة بتحمل المسؤولية، وهذا ما جاء في الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 والذي أكد على ربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة .
وفيما يتعلق بمجال السلطة التنظيمية أكد جلالة الملك على :
 توسيع مجال القانون وتخويله اختصاصات جديدة؛
 حكومة منتخبة بانبثاقها عن الإرادة الشعبية ؛
 تكريس تعيين الوزير الأول من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات مجلس النواب وعلى أسس نتائجها ؛
 تقوية مكانة الوزير الأول كرئيس لسلطة تنفيذية فعلية يتولى المسؤولية الكاملة على الحكومة والإدارة العمومية وقيادة وتنفيذ البرنامج الحكومي ؛
 دسترة مجلس الحكومة وتوضيح اختصاصاته…
وهكذا نشير ووفقا لمنطق الإصلاحات الدستورية المرتقبة إلى أن الفصل التاسع والعشرين من الدستور الحالي في حاجة إلى تعديل وذلك بتقنين تقنية التوقيع بالعطف على الظهائر الشريفة وان اقتضى الأمر تحديد نوعية هذه الظهائر ، وهذا الأمر له تأثير مهم خاصة إذا علمنا أن صياغة الفصل التاسع والعشرين توجب على الوزير الأول التوقيع بالعطف على الظهائر الشريفة ما عدا الظهائر المنصوص عليها في بعض المواد المتعلقة بالقرارات الدستورية العليا حسب تعبير أستاذنا محمد أشركي ، كما أن التوقيع بالعطف يعني تحمل الوزير الأول للمسؤولية السياسية عن هذا التوقيع وخاصة أمام البرلمان مضيفا أن التوقيع بالعطف لا يمكن رفضه إلا إذا أبان الوزير الأول عن عدم استعداده لتحمل المسؤولية السياسية فيبادر إلى الاستقالة .
إن ما يجب أن يتضمنه الدستور المرتقب هو أن تكون المسؤوليات واضحة ومحددة مع الحرص على تمكين الحكومة من السلطة التنظيمية بشكل محدد واضح وأصيل حتى لا نكون مجددا أمام التذرع بخصوصية النظام السياسي المغربي، وحتى نكون أمام إمكانية حقيقية بأن كل اختصاص وكل سلطة يقابلهما محاسبة ومسؤولية.
ومن جهة أخرى فإن تكريس دولة الحق والمؤسسات يقتضي إيجاد نوع من التوازن بين متطلبات السلطة التنظيمية وضمان ممارسة الحقوق الفردية والجماعية مع اعتبار المساس بممارسة هذه الحقوق والحريات مساسا بروح الدستور وموجبا للمساءلة والمسؤولية سواء في الظروف العادية أو الاستثنائية.
ثانيا : حدود ممارسة السلطة التنظيمية
أن احد أهم أوجه حدود السلطة التنظيمية هو أن تمارس في إطار القانون بما يكفل التنمية والتقدم وتحقيق المصلحة العامة ، إلا أنه يجب أن تظل هذه السلطة بدورها تحت المراقبة ليس فقط من طرف الرأي العام الوطني ، ولكن أيضا من طرف أجهزة مختصة نذكر منها بالاساس المجلس الدستوري ، السلطة التشريعية والسلطة القضائية .
هذه المراقبة التي يجب أن تتم بشكل فعال ووفق ما تتيحه الوثيقة الدستورية.
د/ عبد الواحد القريشي elqoraychi@gmail.com

المنشورات ذات الصلة

هذا المحتوى محمي
Scroll to Top