إصلاح النظام الجبائي للجهات الأستاذة زبيدة نكازأستاذة مؤهلة بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاسحنان الطيبيطالبة باحثة في سلك الدكتوراه مقدمةإن تاريخ السياسات الجبائية المحلية بالمغرب عرفت ومازالت تعرف تمييزا نوعيا لصالح المصالح الجبائية للدولة التي تلعب دورا محوريا في إدارة وتدبير الجبايات المحلية، إلا أنه بعد دستور 2011 المدعم للامركزية الترابية صار من الضروري أجرأة الاستقلال المالي للجماعات الترابية من خلال التضامن بين الجهات والجماعات والعمالات و الاقاليم,و تقليص التدخل المالي للدولة للإسهام في سد العجز في مجالات التنمية البشرية والبنيات التحتية والتجهيزات الأساسية. عبر تدعيم السلطة المالية و الجبائية للجماعات الترابية، التي أصبحت مطالبة بأن تلعب دور الشريك الحقيقي في مسلسل التنمية الشاملة وأن تكون قوة اقتراحية لتفعيل مختلف الاستراتيجيات.فتوفير الموارد المالية للجماعات الترابية خاصة منها الجبائية، تعطي للهيئات المنتخبة السلطة الفعلية للقيام بدورها في مجال التنمية, ذلك ان اصلاح النظام الجبائي الترابي يعد من أهم عناصر تحقيق الاستقلال المالي للجماعات الترابية.فبالرغم من ان قانون 47.06 لسنة2007 المنظم للجبايات المحلية حاول تجاوز مجموعة من الإكراهات سواء التقنية منها أو القانونية التي شابت القانون 30.89، لتبني مواصفات الأنظمة الجبائية الحديثة وتبسيط الجبايات المحلية وتحسين مردوديتها من خلال دمج وتقليص عدد من الرسوم، وملاءمة الجبايات المحلية مع مستلزمات تفعيل اللامركزي, فان هذا القانون اصبح لا يلائم مستجدات دستور 2011و القوانين التنظيمية للجماعات الترابية لسنة 2015 .وفي ظل التطورات التي عرفها المغرب خلال العهد الجديد، بما تميز به من إصلاحات سياسية، مؤسساتية وإدارية, وفي ظل المبادئ والرؤى الترابية الجديدة التي جاء بها الدستور والقوانين التنظيمية للجماعات الترابية التي عملت على تفعيل الجهوية المتقدمة وجعل الجهة تتبوأ الصدارة على المستوى الترابي و مطالبة بتحمل مسؤوليات كبرى في مجال التنمية الترابية الشاملة وتدبير الشأن العام الترابي عبر تعبئة موارد مالية دائمة, الشيء الذي يتطلب وضع نظام جبائي ترابي فعال يأخذ بعين الاعتبار التطور الذي يعرفه مسلسل الجهوية المتقدمة و يستجيب لمتطلبات التنمية الشاملة والمستدامة انسجاما مع مقتضيات الدستور والقانون التنظيمي 111-14 المتعلق بالجهات.إن إصلاح النظام الجبائي المحلي يشكل ضرورة ملحة لتدعيم المقومات المالية للجهات للانخراط بشكل فعال في تنزيل البرامج والمشاريع التنموية المقررة في التصميم الجهوي لإعداد التراب وبرنامج التنمية الجهوية باعتماد منهجية تشاركية لتقاسم خلاصته مع باقي الفاعلين في هذا المجال بمختلف مستوياتهم.و لملامسة أهم الاكراهات التي تعتري النظام الجبائي الحالي وتعرقل تنزيل مخرجات الإصلاح لابد من تبني مقاربات تدعم هذه المخرجات وتحقق الرهانات المنتظرة.في هذا السياق يتم التطرق للإشكالية التالية : كيف يمكن لإصلاح نظام الجبايات المحلية تجاوز محدودية التمويل الجبائي و تمكين الجهة من تبوأ مكانة الصدارة ترابيا ؟وكمساهمة في ورش إصلاح نظام الجبايات المحلية سيتم الاجابة على هذه الاشكالية من خلال التركيز على النظام الجبائي للجهة فاس – مكناس وتقسيم هذا الموضوع الى محورين: المحور الأول: محدودية التمويل الجبائي للجهات ودواعي الإصلاحالمحور الثاني: سبل تحقيق نظام جبائي مرن وعادل وفعال المحور الأول: محدودية التمويل الجبائي للجهات ودواعي الإصلاحلا تشكل الجبايات بالنسبة للجماعات الترابية مجرد موارد مالية موجهة لتغطية تكاليف المرافق العمومية المحلية بل هي أداة للسياسة الاقتصادية تساهم في تعزيز مسلسل اللامركزية الذي يعد حجر الزاوية لبناء دولة ديمقراطية حديثة تعمل على ارساء و تفعيل دعامات الديمقراطية التشاركيةو ديمقراطية القرب .فتحسين مردودية النظام الجبائي المحلي وتجاوز اختلالاته وضعف مردوديته يرتبط ارتباطا وثيقا بمدى انسجامه مع النظام الجبائي على الصعيد المركزي. فكل إصلاح يطال النظام الجبائي للدولة يكون له تأثير على النظام الجبائي المحلي، مما يستدعي مقاربة شمولية للإصلاح لتجاوز الاختلالات التي يعرفها النظام الجبائي عامة و الجبايات المحلية على مستوى الجهات خصوصا.أولا: الجهة ومحدودية مواردها الذاتية الجبائيةيقصد بالنظام الجبائي المحلي مجموعة الضرائب والرسوم المستحقة لفائدة الجهات وباقي الجماعات الترابية، سواء منها تلك التي يرجع حق استخلاصها للجماعات الترابية بواسطة إدارتها الجبائية مباشرة أو المحولة لفائدتها من طرف الدولة او تستخلص لفائدتها من طرف باقي الجماعات.فالنظام الجبائي للجهات يتسم بضعف مردوديته ومحدودية وعائه الضريبي بالإضافة إلى محدودية عدد الرسوم التي تستفيد منها فمن بين 17 رسما منظما في إطار قانون الجبايات المحلية 06-47 تستفيد الجهات فقط من ثلاث رسوم وهي الرسم على رخص الصيد، الرسم على استغلال المناجم، الرسم على الخدمات المقدمة للموانئ، مع العلم أن هناك جهات لا تتوفر على واجهة بحرية مما يفوت عليها الاستفادة من عائدات هذا الرسم كما هو الحال بالنسبة لجهة فاس-مكناس. كذلك يعاني النظام الجبائي للجهات من تعدد المتدخلين في عملية استخلاص الرسوم التي تستفيد الجهات من جزء من عائداتها.فعلى مستوى رسم رخص الصيد مثلا يتم استخلاصه من طرف وكيل مداخيل العمالة أو الإقليم، وتستفيد الجهات من 5% من رسم الخدمات الجماعية الذي يتم استخلاصه من طرف مصالح الخزينة. أما الرسم المفروض على استغلال المقالع فتستفيد الجهات من 10% من عائداته المستخلصة من طرف وكيل مداخيل الجماعة. في هي رسوم بالإضافة الى قلة عددها تعاني من محدودية عائداتها كما هو مبين في الجدول التالينموذج: الرسوم الذاتية لجهة فاس-مكناس المصدر : تركيب شخصي انطلاقا من معطيات عن جهة فاس مكناسفمن خلال هذا الجدول يتبين واقع عائدات هذه الرسوم التي تتميز بمحدودية مردوديتها، الشيء الذي لا يتناسب مع حجم الانتظارات المشروعة للجهوية متقدمة.ان التقييم الدقيق للنظام الجبائي المحلي يمكن من ملاحظة العديد من النواقص فيما يخص الموارد الذاتية للجهات فهي رسوم تعاني من عدم الفعالية وغياب العدالة الجبائية وتكرس الفوارق المجالية والاجتماعية على مستوى الجهات.كذلك تعاني الرسوم الخاصة بالجهات بالإضافة الى الصعوبات التدبيرية والمسطرية اشكالات على مستوى منظومة الرقابة, تعاني جهة فاس مكناس من صعوبة مراقبة وتحديد مجالها الترابي الذي يتميز بالشساعة مما يؤدي إلى صعوبة تتبع تحصيل حصصها من الجبايات ومن تم مواجهة إشكالية انتشار ظاهرة التهرب والغش الضريبي. فضعف آليات رقابة وتتبع الإعفاءات الجبائية تمس بمبدأ الشفافيةو تمس بعدالة النظام الضريبي ولا تتلاءم مع متطلبات الفعالية والنجاعة، مما يولد عدم ثقة الملزم في الإدارة الجبائية ويكرس انتشار ظاهرة التملص بسبب السلوكيات السلبية لبعض الإدارات الجبائية.ومما يزيد من تعقد الإشكالات التي يعاني منها النظام الجبائي المحلي هو أن هذه الجهات لا تقوم مباشرة باستخلاص عائدات الرسوم المخصصة لها في إطار قانون الجبايات المحلية 47-06 بحيث أن عائدات الرسم الخاص برخص الصيد البري يتم استخلاصها من طرف وكيل مداخيل العمالة أو الإقليم، والرسم على الخدمات الجماعية يتم استخلاصه من طرف مصالح الخزينة العامة للمملكة و يتم توزيع حصصه على الجماعات الترابية ( الجهات 5% والجماعات 95% )، أما الرسم المفروض على استغلال المقالع فيتم استخلاصه من طرف وكيل مداخيل الجماعة و يتم توزيع حصصه على الجماعات الترابية ( الجهات 10% والجماعات 90%). وبالنسبة للرسم المفروض على استخراج المعادن يتم استخلاصه من طرف المديرية العامة للضرائب. ثانيا: هيمنة الاعتمادات المحولة في تمويل الجهاتإن ضعف مساهمة الموارد الذاتية خاصة الجبائية منها