أبحاث و دراسات

السلطة التنظيمية بين الثبات والتغير على ضوء الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011

السلطة التنظيمية بين الثبات والتغير على ضوء الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011                                                                    إعداد : ذ / عبد الواحد القريشي                                                                                دكتور في الحقوق المغرب بلد الظهائر[1]، هكذا وصف احد الباحثين الأجانب الإطار القانوني المؤطر للحياة القانونية والسياسية بالمغرب ، وإذا كان لهذا القول جانب كبير من الصحة ،فهل من الممكن أن نقول على هذا المنوال بأن المغرب بلد المبادرات الملكية . نعم يمكن أن نؤكد هذه المقولة وبالأخص منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش من خلال ما أقدم عليه من مفاهيم وآليات جديدة كالمفهوم الجديد للسلطة ،المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة ،المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، إصلاح القضاء ، المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، مؤسسة الوسيط …ثم ما تضمنه الخطاب الملكي لتاسع مارس  2011 حول الإصلاح الدستوري . نعم كلها مبادرات أساسية من أجل التأسيس لدولة الحق والمؤسسات بما تعني تكريس مقومات أساسية تتمثل فيما يلي : ضمان حماية الحقوق الفردية والجماعية ؛ ترسيخ مبدأ الفصل بين السلط؛ ضمان استقلالية القضاء؛ دعم قيم المواطنة الحقة. إننا بقدر اعتقادنا بأهمية تضمن الوثيقة  الدستورية لهذه المقومات،وبأهمية المبادرات الملكية الهادفة إلى إحداث مؤسسات بهدف ترسيخ قيم الديمقراطية الممكنة من تداول السلطة ، بقدر إيماننا العميق واعتقادنا الراسخ بان المفتاح الأساسي لتحقيق هذه الأهداف هو المواطن الواعي بحقوقه ،المؤدي لواجباته،العارف بواقعه والطامح إلى الرقي به إلى الأحسن. وانطلاقا من إيماننا  أيضا بأن المواطنة الحقة هي مفتاح التنمية ، واسها ما في التعريف بالمستجدات التي يعرفها المغرب وفي نشر الثقافة القانونية والحقوقية بما يكفل التأسيس لمجتمع المواطنة ،نعتقد بلا يدع مجالا للشك أن الحق في المواطنة هو جوهر الحقوق ودعامتها الأساسية وهو الضمانة الأساسية للاستفادة من كافة الحقوق و أجرأتها ، فالحق في المواطنة, وبالمقابل واجب المواطنة هو الدعامة الأساسية لبناء دولة الحق والمؤسسات. و انطلاقا من هذا الواجب  وارتباطا بما جاء في الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 نود أن نلامس موضوعا أساسيا ويتعلق الأمر بالسلطة التنظيمية ، فما المقصود السلطة التنظيمية ؟ كيف تمت معالجتها في الدساتير السابقة وما الدواعي التي تحكمت في الصياغة القانونية لفصول الدستور المتعلقة بهذا الموضوع ؟ إن السلطة التنظيمية تعني مجموعة التدابير العامة اللازمة لحسن سير المرافق بكل انتظام و اضطراد من طرف الجهات المختصة وفقا للتشريع الوطني لكل دولة [2] وفي نفس الاتجاه ذهب البعض[3] إلى أن السلطة التنظيمية تعني اتخاذ التدابير العامة اللازمة لتنفيذ القوانين مع إشارته إلى أن جزء من السلطة التنظيمية يتجسد فيما يسمى بالسلطة التنظيمية المستقلة الناتجة عن تحديد مجال القانون في الدستور . وبالرجوع إلى التجربة المغربية نجد أن مجال السلطة التنظيمية المستقلة  قد عرف تطورا ملحوظا حيث عرفت الدساتير المغربية تعديلات مهمة لحقت على الخصوص الفصل التاسع والعشرين. ومن جهة أخرى وبالاعتماد على دستور 1996 فان من المفيد أيضا تحديد مجال السلطة التنظيمية وأشكال اتخاذها سواء من طرف الملك أومن طرف الحكومة مع إبداء رأينا حول التعديلات التي من الممكن أن يتضمنها الدستور المرتقب.   الفقرة الأولى : مجال و اختصاصات السلطة التنظيمية تطبيقا لمبدأ الفصل بين السلط تسعى الدساتير إلى تحديد ووضع قواعد منظمة لاختصاص كل سلطة ، ومما لا شك فيه أن توزيع السلط يحيل حتما إلى نوعية النظام السياسي السائد وإلى ظروف سياسية يكون لها دور كبير في رسم القواعد القانونية وهو الأمر الذي ينطبق إلى حد كبير على التجربة المغربية.      أولا : السلطات المختصة بالمجال التنظيمي      تطور إسناد السلطة التنظيمية في التاريخ الدستوري المغربي  تبعا للتعديلات الدستورية وتبعا للصياغة القانونية المضمنة بنصوص الدستور.           أ – السلطة المختصة بالمجال التنظيمي من خلال دستور 1962.[4] بالرجوع إلى مقتضيات هذا النص نجد أن السلطة التنظيمية يمكن أن تمارس إما من طرف الملك أو من طرف الوزير الأول ،  فالفصل التاسع والعشرون  نص على أنه :” يمارس الملك السلطة التنظيمية في الميادين المقصورة عليه بصريح نص الدستور . المراسيم الملكية توقع بالعطف من طرف الوزير الأول ماعدا المراسيم الملكية المنصوص عليها بالفصول 24-35-72-77-84-91و101.” كما أن الفصل 110 ينص على أنه:” إلى أن يتم تنصيب البرلمان يتخذ جلالة الملك التدابير التشريعية والتنظيمية اللازمة لإقامة المؤسسات الدستورية ولتدبير شؤون الدولة.” إن مجال السلطة التنظيمية لم يقتصر إبان هذه الفترة على جلالة الملك بل أسندت هذه السلطة أيضا للوزير الأول حيث نص  الفصل الثامن والستون من دستور 1962 على أنه:” يمارس الوزير الأول السلطة التنظيمية فيما عدا المواد التي يصرح الدستور بإسنادها إلى سلطة الملك التنظيمية . تحمل المقررات التنظيمية الصادرة عن الوزير الأول التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها .” من خلال ما سبق يتضح أن مجال السلطة التنظيمية إما يمارس من طرف جلالة الملك بموجب مرسوم ملكي أو من طرف الوزير الأول بموجب مرسوم. وبالرغم ما تتيحه هذه النصوص من اختصاص لكلا المؤسستين فان الممارسة لم تثبت توازنا بينهما في هذا المجال بقدر ما أثبتت تركيزا في ممارسة هذه السلطة حسب الفترات . ففي الفترة الممتدة ما بين 13 نونبر 1963 و07 يونيو 1965 يلاحظ أن الوزير الأول وكذا وزير الدفاع الوطني هما اللذين مارسا السلطة التنظيمية ولم  يصدر عن الملك سوى قرارات فردية فحسب .[5] إلا انه مع حالة الاستثناء بتاريخ 07 يونيو 1965 وإلى غاية دستور 1970 فان السلطة التنظيمية إما تمت ممارستها أصالة بمقتضى مراسيم ملكية أو بالتوقيع بالعطف على المراسيم الملكية مذيلة بالصيغة (عن جلالة الملك وبأمر من).[6]         ب – توزيع السلطة التنظيمية المستقلة من خلال دستور 1970 والدساتير اللاحقة ينص الفصل 29 على أنه:” يمارس الملك السلطة التنظيمية وتحدد ظهائر شريفة[7] الميادين التي يفوض فيها الملك هذه السلطة للوزير الأول الظهائر الشريفة توقع بالعطف من الوزير الأول ما عدا الظهائر المنصوص عليها في هذا الفصل والفصول 21-24-35-66-69-77-84و 94″ وبقراءة هذا الفصل يتضح أن ممارسة السلطة التنظيمية أصبحت مركزة بيد الملك  و لا يمكن للوزير الأول أن يمارسها إلا بناء على تفويض ، وانسجاما مع ذلك نص الفصل 62 من نفس الدستور على أنه:” تحمل التدابير التنظيمية الصادرة عن الوزير الأول في حدود التفويض المنصوص عليه في الفصل 29 التوقيع بالعطف من لدن الوزير المكلف بتنفيذها .” بلا شك فان هذا التعديل قيد دور من مجال تدخل الوزير الأول ، ما يجعل تطبيق مقتضيات الفصل 60 أمرا عسيرا[8]. ولتجاوز هذه الوضعية فقد تغيرت صيغة الفصل 29 بدستور 1972 حيث جاء فيها :”يمارس الملك بمقتضى ظهائر السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور ، الظهائر الشريفة توقع بالعطف من لدن الوزير الأول ما عدا الظهائر المنصوص عليها في الفصول 21 المقطع الثاني ،24،35،68، 70،72، 78،85،95 و100.” وهكذا يلاحظ ما يلي : وانسجاما مع هذا فقد نص الفصل 62 على انه:” يمارس الوزير الأول

السلطة التنظيمية بين الثبات والتغير على ضوء الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 إعداد ذ عبد الواحد القريشي

السلطة التنظيمية بين الثبات والتغير على ضوء الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 إعداد ذ عبد الواحد القريشي السلطة التنظيمية بين الثبات والتغير على ضوء الخطاب الملكيلتاسع مارس 2011 إعداد : ذ / عبد الواحد القريشي المغرب بلد الظهائر ، هكذا وصف احد الباحثين الأجانب الإطار القانوني المؤطر للحياة القانونية والسياسية بالمغرب ، وإذا كان لهذا القول جانب كبير من الصحة ،فهل من الممكن أن نقول على هذا المنوال بأن المغرب بلد المبادرات الملكية .نعم يمكن أن نؤكد هذه المقولة وبالأخص منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش من خلال ما أقدم عليه من مفاهيم وآليات جديدة كالمفهوم الجديد للسلطة ،المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة ،المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، إصلاح القضاء ، المجلس الوطني لحقوق الإنسان ، مؤسسة الوسيط …ثم ما تضمنه الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 حول الإصلاح الدستوري .نعم كلها مبادرات أساسية من أجل التأسيس لدولة الحق والمؤسسات بما تعني تكريس مقومات أساسية تتمثل فيما يلي :ضمان حماية الحقوق الفردية والجماعية ؛ترسيخ مبدأ الفصل بين السلط؛ضمان استقلالية القضاء؛دعم قيم المواطنة الحقة.إننا بقدر اعتقادنا بأهمية تضمن الوثيقة الدستورية لهذه المقومات،وبأهمية المبادرات الملكية الهادفة إلى إحداث مؤسسات بهدف ترسيخ قيم الديمقراطية الممكنة من تداول السلطة ، بقدر إيماننا العميق واعتقادنا الراسخ بان المفتاح الأساسي لتحقيق هذه الأهداف هو المواطن الواعي بحقوقه ،المؤدي لواجباته،العارف بواقعه والطامح إلى الرقي به إلى الأحسن.وانطلاقا من إيماننا أيضا بأن المواطنة الحقة هي مفتاح التنمية ، واسها ما في التعريف بالمستجدات التي يعرفها المغرب وفي نشر الثقافة القانونية والحقوقية بما يكفل التأسيس لمجتمع المواطنة ،نعتقد بلا يدع مجالا للشك أن الحق في المواطنة هو جوهر الحقوق ودعامتها الأساسية وهو الضمانة الأساسية للاستفادة من كافة الحقوق و أجرأتها ، فالحق في المواطنة, وبالمقابل واجب المواطنة هو الدعامة الأساسية لبناء دولة الحق والمؤسسات.و انطلاقا من هذا الواجب وارتباطا بما جاء في الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011 نود أن نلامس موضوعا أساسيا ويتعلق الأمر بالسلطة التنظيمية ، فما المقصود السلطة التنظيمية ؟ كيف تمت معالجتها في الدساتير السابقة وما الدواعي التي تحكمت في الصياغة القانونية لفصول الدستور المتعلقة بهذا الموضوع ؟إن السلطة التنظيمية تعني مجموعة التدابير العامة اللازمة لحسن سير المرافق بكل انتظام و اضطراد من طرف الجهات المختصة وفقا للتشريع الوطني لكل دولةوفي نفس الاتجاه ذهب البعض إلى أن السلطة التنظيمية تعني اتخاذ التدابير العامة اللازمة لتنفيذ القوانين مع إشارته إلى أن جزء من السلطة التنظيمية يتجسد فيما يسمى بالسلطة التنظيمية المستقلة الناتجة عن تحديد مجال القانون في الدستور .وبالرجوع إلى التجربة المغربية نجد أن مجال السلطة التنظيمية المستقلة قد عرف تطورا ملحوظا حيث عرفت الدساتير المغربية تعديلات مهمة لحقت على الخصوص الفصل التاسع والعشرين.ومن جهة أخرى وبالاعتماد على دستور 1996 فان من المفيد أيضا تحديد مجال السلطة التنظيمية وأشكال اتخاذها سواء من طرف الملك أومن طرف الحكومة مع إبداء رأينا حول التعديلات التي من الممكن أن يتضمنها الدستور المرتقب.الفقرة الأولى : مجال و اختصاصات السلطة التنظيميةتطبيقا لمبدأ الفصل بين السلط تسعى الدساتير إلى تحديد ووضع قواعد منظمة لاختصاص كل سلطة ، ومما لا شك فيه أن توزيع السلط يحيل حتما إلى نوعية النظام السياسي السائد وإلى ظروف سياسية يكون لها دور كبير في رسم القواعد القانونية وهو الأمر الذي ينطبق إلى حد كبير على التجربة المغربية.أولا : السلطات المختصة بالمجال التنظيميتطور إسناد السلطة التنظيمية في التاريخ الدستوري المغربي تبعا للتعديلات الدستورية وتبعا للصياغة القانونية المضمنة بنصوص الدستور.أ – السلطة المختصة بالمجال التنظيمي من خلال دستور 1962.بالرجوع إلى مقتضيات هذا النص نجد أن السلطة التنظيمية يمكن أن تمارس إما من طرف الملك أو من طرف الوزير الأول ، فالفصل التاسع والعشرون نص على أنه :” يمارس الملك السلطة التنظيمية في الميادين المقصورة عليه بصريح نص الدستور .المراسيم الملكية توقع بالعطف من طرف الوزير الأول ماعدا المراسيم الملكية المنصوص عليها بالفصول 24-35-72-77-84-91و101.”كما أن الفصل 110 ينص على أنه:” إلى أن يتم تنصيب البرلمان يتخذ جلالة الملك التدابير التشريعية والتنظيمية اللازمة لإقامة المؤسسات الدستورية ولتدبير شؤون الدولة.”إن مجال السلطة التنظيمية لم يقتصر إبان هذه الفترة على جلالة الملك بل أسندت هذه السلطة أيضا للوزير الأول حيث نص الفصل الثامن والستون من دستور 1962 على أنه:” يمارس الوزير الأول السلطة التنظيمية فيما عدا المواد التي يصرح الدستور بإسنادها إلى سلطة الملك التنظيمية .تحمل المقررات التنظيمية الصادرة عن الوزير الأول التوقيع بالعطف من لدن الوزراء المكلفين بتنفيذها .”من خلال ما سبق يتضح أن مجال السلطة التنظيمية إما يمارس من طرف جلالة الملك بموجب مرسوم ملكي أو من طرف الوزير الأول بموجب مرسوم.وبالرغم ما تتيحه هذه النصوص من اختصاص لكلا المؤسستين فان الممارسة لم تثبت توازنا بينهما في هذا المجال بقدر ما أثبتت تركيزا في ممارسة هذه السلطة حسب الفترات .ففي الفترة الممتدة ما بين 13 نونبر 1963 و07 يونيو 1965 يلاحظ أن الوزير الأول وكذا وزير الدفاع الوطني هما اللذين مارسا السلطة التنظيمية ولم يصدر عن الملك سوى قرارات فردية فحسب .إلا انه مع حالة الاستثناء بتاريخ 07 يونيو 1965 وإلى غاية دستور 1970 فان السلطة التنظيمية إما تمت ممارستها أصالة بمقتضى مراسيم ملكية أو بالتوقيع بالعطف على المراسيم الملكية مذيلة بالصيغة (عن جلالة الملك وبأمر من).ب – توزيع السلطة التنظيمية المستقلة من خلال دستور 1970 والدساتير اللاحقةينص الفصل 29 على أنه:” يمارس الملك السلطة التنظيمية وتحدد ظهائر شريفةالميادين التي يفوض فيها الملك هذه السلطة للوزير الأولالظهائر الشريفة توقع بالعطف من الوزير الأول ما عدا الظهائر المنصوص عليها في هذا الفصل والفصول 21-24-35-66-69-77-84و 94″وبقراءة هذا الفصل يتضح أن ممارسة السلطة التنظيمية أصبحت مركزة بيد الملك و لا يمكن للوزير الأول أن يمارسها إلا بناء على تفويض ، وانسجاما مع ذلك نص الفصل 62 من نفس الدستور على أنه:” تحمل التدابير التنظيمية الصادرة عن الوزير الأول في حدود التفويض المنصوص عليه في الفصل 29 التوقيع بالعطف من لدن الوزير المكلف بتنفيذها .”بلا شك فان هذا التعديل قيد دور من مجال تدخل الوزير الأول ، ما يجعل تطبيق مقتضيات الفصل 60 أمرا عسيرا .ولتجاوز هذه الوضعية فقد تغيرت صيغة الفصل 29 بدستور 1972 حيث جاء فيها :”يمارس الملك بمقتضى ظهائر السلطات المخولة له صراحة بنص الدستور ، الظهائر الشريفة توقع بالعطف من لدن الوزير الأول ما عدا الظهائر المنصوص عليها في الفصول 21 المقطع الثاني ،24،35،68، 70،72، 78،85،95 و100.”وهكذا يلاحظ ما يلي : الفقرة الثانية : أشكال تدخل السلطة التنظيميةوفق سبق بسطه أعلاه فان السلطة التنظيمية تمارس إما من طرف جلالة الملك وإما من طرف الوزير الأول وباقي الوزراء و ممثلي الإدارة.أولا : أشكال تدخل جلالة الملك في المجال التنظيميأفرزت الممارسة الدستورية

الرقابة على دستورية القوانين التنظيمية ذات الصلة بالانتخابات

الرقابة على دستورية القوانين التنظيمية ذات الصلة بالانتخابات أولى المشرع مكانة مهمة للمحكمة الدستورية حيث خصها بالباب الثامن من الدستور من الفصل 129 الى134 منه ، حيث تضمنت هذه الفصول إداث المحكمة الدستورية ، تأليفها قواعد تنظيمها وسيرها والاجراءات المتبعا امامها ووضعية اعضائها وكذا اختصاصاتها والتي نص بخصوصها الفصل الفصل 132 على أنه :<< تمارس المحكمة الدستورية الاختصاصات المسندة اليها بفصول الدستور ، وبأحكام القوانين التنظيمية ، وتبت بالاضاة الى ذلك في صحة انتخاب اعضاء البرلمان وعمليات الاستفتاء . تحال الى المحكمة الدستورية القوانين التنظيمية قبل اصدار الامر بتنفيذها والانظمة الداخلية لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين قبل الشروع في تطبيقها لتبت في مطابقتها للدستور . يمكن للملك، وكذا لكل من رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس النواب، أو رئيس مجلس المستشارين، أو خُمس أعضاء مجلس النواب، أو أربعين عضوا من أعضاء مجلس المستشارين، أن يحيلوا القوانين، قبل إصدار الأمر بتنفيذها، إلى المحكمة الدستورية، لتبت في مطابقتها للدستور. تبت المحكمة الدستورية في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين الثانية والثالثة من هذا الفصل، داخل أجل شهر من تاريخ الإحالة. غير أن هذا الأجل يُخفض في حالة الاستعجال إلى ثمانية أيام، بطلب من الحكومة. تؤدي الإحالة إلى المحكمة الدستورية في هذه الحالات، إلى وقف سريان أجل إصدار الأمر بالتنفيذ. تبت المحكمة الدستورية في الطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء البرلمان، داخل أجل سنة، ابتداء من تاريخ انقضاء أجل تقديم الطعون إليها. غير أن للمحكمة تجاوز هذا الأجل بموجب قرار معلل، إذا استوجب ذلك عدد الطعون المرفوعة إليها، أو استلزم ذلك الطعن المقدم إليها.>> تطور المحكمة الدستورية انطلق بالمغرب مع أول دستور مغربي حيث كان المجلس الاعلى يضم الغرفة الدستورية الى جانب باقي غرفه [1]. وقد تم الاحتفاظ بالغرفة الدستورية في ظل دستور 1970 [2]بموجب الفصل الثالث والتسعين منه ، وكذا دستور 1972[3] في فصله الرابع والتسعين. غير أنه مع سنة 1992 سيتم الغاء الغرفة الدستورية وسيحل محلها المجلس الدستوري[4] ، بموجب الفصل السادس والسبعون من دستور 1992[5]  ، وسيتم الاحتفاظ بنفس المؤسسة في دستور1996 [6] بموجب فصله الثامن والسبعون. أما دستور 2011 [7] فقد نص الفصل 129 منه  على انه :<<تحدث محكمة دستورية >>  مع التنصيص على أن يستمر المجلس الدستوري القائم حاليا في ممارسة صلاحياته   إلى أن يتم  تنصيب المحكمة الدستورية، عملا بأحكام الفصل 177 من الدستور ومقتضيات الفقرة الأولى من المادة 48 من القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية[8]. اختصاصات المحكمة الدستورية وان كانت ترتبط أساسا بمراقبة دستورية القوانين ، فإن الدور الثاني المتعلق بدورها في النظر في الاستفتاء وفي الطعون الانتخابية التي تندرج في اطار اختصاصها لا يقل أهمية ، بل ان اختصاصاتها تتعدى مجرد البت في طعن انتخابي وضمان سلامته إلى مهمة أسمى وارفع في تجويد وسلامة العملية الانتخابية ككل . فمسألة التجويد ترتبط بدور المحكمة الدستورية في جودة النص القانوني المتعلق بالانتخابات ، بينما ترتبط سلامة العملية الانتخابية بالتطبيق السليم للنص القانوني . الحرص على تجويد وسلامة العمليات الانتخابية تتضح أكثر من خلال قرارات المجلس الدستوري التي لها ارتباط وثيق سواء بتجويد النص القانوني والحرص على دستوريته ، وعلى مدى استجابته لروح مقتضيات الدستور ،إذ اتيح للمحكمة الدستورية أن تبرز موقفها من مبدأ المناصفة ، مسألة الترحال السياسي .    الفصل132  من الدستور المغربي نص على أنه  لا يمكن تطبيق القوانين التنظيمية الابعد احالتها على المحكمة الدستورية والتصريح بمطابقتها للدستور ، وهنا يتضح دور المحكمة الدستورية في تجويد النص القانوني المتعلق بالعملية الانتخابية . وهنا يبرز أكثر دور المحكمة الدستورية خاصة وأن  الانتخابات المتعلقة بالجماعات الترابية منصوص على انه يجب تنظيمها بموجب قانون تنظيمي طبقا للفصل 146 من الدستور الذي نص على أنه :<< تحدد بقانون تنظيمي بصفة خاصة : شروط تدبير الجهات والجماعات الترابية الاخرى لشؤونها بكيفية ديمقراطية ، وعدد أعضاء مجالسها ، والقواعد المتعلقة باهلية الترشيح ، وحالات التنافي ، وحالات منع الجمع يبن الانتدابات ، وكذا النظام الانتخابي واحكام تحسين تمثيلية النساء داخل المجالس المذكورة ….>> وهذا سنوضحه من خلال قرار المجلس الدستوري عدد 970/15 م د بتاريخ 12 يوليوز 2015 ، ويتعلق هذا القرار برسالة الاحالة من رئيس الحكومة للقانون التنظيمي رقم 34.15 للنظر في مدى مطابقته للقانون  القاضي بتغيير وتتميم القانون التنظيمي رقم 59.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجالس الجماعات الترابية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.173 بتاريخ 24 من ذي الحجة 1432 (21 نوفمبر 2011). ومن المهم أن نشير بأن تعديل القانون 59.11 يأتي تفعيلا للفصل 146 من الدستور المشار اليه أعلاه. وبمناسبة بت المجلس الدستوري في مراقبة هذا القانون التنظيمي للدستور اتيح له ان يبدي رأيه في عدة نقط تهم جوهر العملية الانتخابية . أولا : تحالف الاحزاب : للاحزاب اهمية كبرى في الحياة السياسية ولها دور كبير في ترسيخ الديمقراطية التمثيلية ، وتبعا لذلك فقد حظيت في اطار دستور 2011 بمجموعة من الضمانات منها ما نص عيه الفص السابع من الدستور الذي جاء : <<تعمل الاحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي ، وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية وفي تدبير الشأن العام ، وتساهم في التعبير عن ارادة الناخبين ، والمشاركة في ممارسة السلطة ، على أساس التعددية والتناوب ، بالوسائل الديمقراطية ، وفي نطاق المؤسسات الدستورية . ……..يحدد قانون تنظيمي ، في اطار المبادئ المشار اليها في هذا الفصل القواعد المتعلقة بصفة خاصة بتأسيس الاحزاب السياسية وانشطتها ومعايير تخويلها الدعم المالي للدولة وكيفيات مراقبة تمويلها.>> وتبعا لذلك فقد صدر القانون التنظيمي رقم 29.11 المتعلق بالاحزاب السايسية[9] الذي تم تغييره وتتميمه بالقانون التنظيمي رقم 33.15 [10]. وبخصوص هذا الموضوع من المهم الاشارة الى قرار المجلس الدستوري  رقم 15/969  والذي جاء فيه : << …حيث إن هذه المادة  55.1 تنص على أنه “يمكن لحزبين سياسيين أو أكثر أن تؤلف تحالفا فيما بينها بمناسبة انتخابات أعضاء المجالس الجماعية والجهوية، ويسري التحالف على الصعيد الوطني، ولا يجوز لحزب سياسي أن ينتمي إلى أكثر من تحالف واحد برسم نفس الانتخابات”، وأنه “يمكن لتحالف أحزاب سياسية أن يقدم بتزكية منه لوائح تضم مترشحين ينتسبون وجوبا للأحزاب المؤلفة له كلها أو بعضها عند الاقتضاء، ويشار في لوائح الترشيح إلى الانتماء السياسي لكل مترشح، كما يمكن للتحالف أن يقدم بتزكية منه مترشحين ينتسبون وجوبا لأحد الأحزاب المؤلفة له في الدوائر الانتخابية التي يجري فيها الانتخاب عن طريق الاقتراع الفردي”، وأن هذه الأحكام تطبق أيضا في شأن انتخابات أعضاء الغرف المهنية؛ وحيث إن نهوض الأحزاب السياسية بالمهام المنوطة بها، بموجب الفصل السابع من الدستور، يتيح لها التعاون فيما بينها؛ وحيث إن التعاون بين الأحزاب السياسية يمكن أن يكتسي أشكالا عدة، من ضمنها التحالف بين حزبين أو أكثر؛ وحيث إنه، يعود للمشرع أن يخضع كل شكل من أشكال هذا التعاون لضوابط وشروط خاصة، طالما أنها لا

أزمة المرفق العام بالمغرب

أزمة المرفق العام بالمغرب The crisis of public services in Morocco ELQORAYCHI Abdelouahad                                           إعداد الدكتور عبد الواحد القريشي  ( (*[1]                           أستاذ باحث بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس  elqoraychi@gmail.com         الملخص     تتناول هذه الدراسة المعنونة بأزمة المرافق العامة بالمغرب جانبين مهمين : يتعلق الأول بتشخيص وضعية المرافق العامة بالمغرب ، والثاني يتعلق بمحاولة لاقتراح الحلول الممكنة لتحسين أداء المرافق العامة ولتجاوز وضعية الأزمة . وقد همت هذه الدراسة مرفقين عامين هما المرفق العام للصحة والمرفق العام للتعليم أولا باعتبارهما مرفقين أساسيين وثانيا لأن معالم الأزمة لا تخفى فيهما. the crisis of public services in Morocco     Abstract This study is about the crisis of public services in Morocco. It addresses two important aspects : first, the diagnosis of the status of public services in Morocco . Second, on the attempt to propose solutions to improve the performance of public services and overcome the crisis. This study concerns two public services, the public service for Health and the Public service for education. This is because they are important public services and also because the characteristics of the crisis in these public  services are clear.        مقدمة لم يكن من السهل أن نختار الحديث عن أزمة المرافق العامة ، ذلك أن اختيار هذا الموضوع يفترض أن المرافق العامة تعيش حالة الأزمة حتما ، وهي فرضية تستدعي الكثير من التمحيص والكثير من الدقة . إننا لا نقصد من دراستنا هذه مقاربة أزمة مفهوم المرافق العامة[2] التي تزامنت ونمو المرافق العامة ، تزامنت وظهور المرافق العمومية الصناعية و التجارية ، الاجتماعية والمهنية إلى جانب المرافق الادارية ، لا نقصد مفهوم المرفق العام باعتباره معيارا من معايير تطبيق القانون الاداري[3] ، بل نقصد الجوهر الذي أحدثت من أجله المرافق العامة . إنه تقديم الخدمات العمومية ، الخدمات التي ترمي إلى المصلحة العامة سواء تم تقديمها من أشخاص القانون الخاص أو القانون العام أو بشراكة بينهما بأي شكل من الأشكال . إننا نقصد أيضا البحث في أسباب تدني وجودة الخدمات ، ونقصد أيضا علاقة الدولة باعتبارها سلطة حكومية لها برنامج حكومي وتسعى إلى تحقيقه .    الاشكالية بقراءة النصوص القانونية والبرامج والأهداف المسطرة في البرامج الحكومية المؤطرة لعمل المرافق العمومية بالمقارنة مع واقع سير المرافق العمومية نقف على مفارقة ، نقف على تباعد وفي أحيان كثيرة على فجوة ، لا نملك معها إلا التساؤل حول الأسباب المؤدية لذلك ، ثم عن خطة كفيلة بإدارة الأزمة والانتقال من وضعية الأزمة إلى مرحلة الانفراج و لأجل معالجة هذه الإشكالية اعتمدنا الفرضية التالية . فرضية الدراسة تقوم فرضية الدراسة على أن المرافق العامة تعرف أزمة حقيقية على مستوى تدبيرها وجودتها ، ومما يزيد من أزمتها الطريقة غير السليمة لتدبير الازمة وتجاوزها . ولأجل التحقق من هذه الفرضية فقد اعتمدنا الافتراضات الجزئية التالية : إن المرافق العامة تعيش حقا حالة الأزمة ؛سبب حدوث الأزمة يرجع بالأساس إلى نقص على مستوى الموارد والتمويل ؛سبب الأزمة يعود إلى سوء في تدبير المرافق العمومية ؛سبب الأزمة يعزى إلى سياسة حكومية تتجسد في رفع اليد مبكرا عن المرافق العامة الحيوية للدولة . وهذا ما يستدعي اعتماد منهج مناسب للتحقق من هذه الفرضية .    منهجية الدراسة لقد عمدنا إلى اعتماد المنهج الاستقرائي لنسائل من خلاله بعض المرافق العمومية ، من حيث الأداء والتدبير ، نسائلها على مستوى الموارد ، الوسائل والنتائج ؟ لكن أي مرفق عام نختاره لنجعله عينة لدراستنا ؟ طبعا لن يكون اختيارنا إلا تعسفيا لكننا ننطلق من ملاحظة أساسية وهي أن واقع المرافق العامة في الوقت الحالي يعرف تشابها كثيرا ، فالمرفق العام للتعليم ، ليس أحسن وضعا من المرفق العام للعدل ، ولا المرفق العام للأمن ، ولا المرفق العام للنقل …، إننا لا نكاد نرتاح لوضعية أي مرفق عام ، ونكاد نحسم بحالة الأزمة في كل مرفق عام . ولهذا اخترنا أن نقوم في مرحلة أولى بتشخيص واقع المرافق العامة من خلال تقارير المؤسسات الرسمية وبعض تقارير المجتمع المدني، على أن نتناول في مرحلة ثانية عناصر إدارة الأزمة .      المبحث الأول : تشخيص أزمة المرافق العامة جودة المرافق العامة يدركها المواطن والأجنبي ، يدركها المقيم والسائح ، يدركها الغني والفقير ، تدرك أيضا على مستوى كل المرافق العامة ، غير أنه وبعيدا عن كل تحليل يستند إلى الذاتية فإننا سنعتمد في تشخيص واقع سير المرافق العامة على تقارير المؤسسات الرسمية و هيئات المجتمع المدني ، طالما أنه يصعب علينا في حدود هذه الدراسة التعمق بخصوص وضعية كل مرفق عام على حدة . فهل يحق لنا أن نصف المرافق العامة بالمغرب بوضعية الأزمة ؟ للإجابة على هذا السؤال يقتضي منا الأمر التعريف بحالة سير المرفق العام على الأقل على مستوى تدبيره، على مستوى جودة خدماته بالاعتماد على المرفق العام للصحة والمرفق العام للتعليم.                     الفقرة الأولى : واقع سير المرفق العام للصحة من منا لم يلج مرفق الصحة لطلب الخدمة الاستشفائية ؟ وعلى الأصح من منا لم ينتظر لساعات طوال، أو غير وجهته من مستشفى عمومي إلى المصحات الخاصة ، بل وتساءل عن الجودة المنصوص عليها في الدستور المغربي في ظل ما يقابل به ، وفي ظل معاناته في مساره الاستشفائي ، غير أن هذه الرؤية المتسمة بالذاتية ما كنا لنأخذ بها لولا تأكيدها من خلال الوثائق الرسمية ، سواء على مستوى تدبير المرفق العام للصحة أو على مستوى الجودة بهذا المرفق.                      أولا : واقع تدبير المرفق العام للصحة لا يخفى أن قطاع الصحة يعاني من اختلالا ت على مستوى تدبيره ويتضح ذلك على المستويات التالية : مستوى التمويل المخصص للمرفق العام للصحة ؛ التفاوتات على مستوى الاستفادة من الخدمات الصحية ويظهر ذلك جليا بين العالم القروي والحضري ؛ يتضح ذلك أيضا على مستوى تدبير الموارد البشرية ؛ ويتضح ذلك أيضا على مستوى المبادئ الاساسية لسير المرافق العمومية [4]ويتعلق الأمر بما يلي [5]: مبدأ المساواة من الاستفادة من الخدمات الصحية ؛ مبدأ الاستمرارية في أداء العلاجات وتقديم الخدمات و في الوقت المناسب بدل الانتظارية التي تسم الآجال والمواعيد ؛ الشفافية والوضوح ؛ الولوج . ومن الطبيعي أن ينعكس مستوى تدبير المرفق العمومي للصحة على واقع الجودة بهذا المرفق .                     ثانيا : واقع الجودة بالمرفق العام للصحة لإيضاح واقع الجودة بالمرفق العام للصحة نستند إلى الرؤية الاستراتيجية للصحة   2012 – 2016 والتي وصفت بأن هذا المرفق يعرف عجزا كبيرا نسبيا سيما على مستوى توفير الخدمات الصحية للأفراد والتي ينظر إليها على أنها ذات جودة مشكوك فيها [6]. هذا بالإضافة إلى رصدها لمجموعة من العراقيل

الأمن القضائي ومسار بناء دولة الحق والقانون

الأمن القضائي ومسار بناء دولة الحق والقانون شكل بناء دولة الحق والقانون مفهوما مركزيا في الخطاب السياسي المغربي وهدفا حثت على تحقيقه مجموعة من الخطب الملكية ، وتبعا لذلك تم تحديث الترسانة القانونية وإحداث مجموعة من المؤسسات ارتبطت بالأساس مع الخطاب الملكي لثامن ماي 1990 الداعي الى احداث المحاكم الادارية والمجلس الاستشاري لحقوق الانسان .    ومنذ هذا التاريخ عرف المغرب تطورا تشريعيا ومؤسساتيا ملحوظا لا يتردد الباحث بمناسبة تتبع هذا التطور في القول بأن المغرب يسعى فعلا الى أن يؤسس لدولة الحق والقانون وتكريسها .     ونظرا للترابط الوثيق بين جهاز القضاء ودوره في بناء دولة الحق والقانون[1] ، بين جهاز القضاء وضمان ممارسة الحقوق والحريات وحمايتها ، بين جهاز القضاء وجودة النص التشريعي ، فإننا نتساءل عن مفهوم الامن القضائي وعلاقته بمسار بناء دولة الحق والقانون ،هذا المفهوم الذي تم التنصيص عليه دستوريا بمقتضى الفصل 117 الذي نص على أنه :<< يتولى القاضي حماية حقوق الاشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون >>   الظاهر من هذا النص هو أن مسؤولية تحقيق الأمن القضائي تقع على عاتق القاضي لفائدة الاشخاص والجماعات .      وهي مهمة يتولاها القاضي إلى جانب حماية حقوق الاشخاص والجماعات وتطبيق القانون .    مفهوم الامن القضائي في ارتباطه  بالقضاة وبجهاز القضاء يمكن أن يحيل إلى دور القضاء بمختلف مكوناته مدنيا دستوريا ، اداريا ، جنائيا وتجاريا إلى إقرار الحق وضمان التطبيق السليم للنصوص القانونية ، وإلى جودة العمل القضائي التي تنطلق من تدبير القضايا والبت فيها الى تنفيذها والمساهمة في خلق القاعدة القانونية .     غير أننا نعتبر أن الامن القضائي لا  تنحصر حمايته على القاضي لكونه أوسع وأشمل لاقترانه بمسار دولة الحق والقانون ، وبذلك فهذا المفهوم يحيل ليس فقط الى الحماية القضائية للحقوق والحريات والتطبيق السليم للنصوص القانونية ، وانما أيضا الى حماية القضاة أنفسهم والى الضمانات التي تمكنهم من أداء المهام المنوطة بهم باستقلال وتجرد ونزاهة ، يحيل مفهوم الامن القضائي أيضا الى الظروف الممكنة من الولوج الى حق التقاضي وتبسيط مساطره ، وإلى محيط القضاء وما يرتبط به من ثقة في جهاز القضاء وهيبة لأحكامه .      وعلى هذا الاساس تتضح العلاقة الوثيقة بين تحقيق الامن القضائي ومسار بناء دولة الحق والقانون .      المبحث الأول : تجليات الأمن القضائي المرتبطة بالسلطة القضائية     الأمن القضائي وإن كان يكتسي صعوبة على مستوى تعريفه ، فإنه بالمقابل يبدو واضحا على مختلف المستويات المرتبطة بإصدار الأحكام والبت في القضايا انطلاقا من جهاز السلطة القضائية إلى محيطها .     وهكذا فمفهوم الأمن القضائي على مستوى السلطة القضائية تجسده تلك الضمانات التي تحيط بالقاضي وهو يؤدي مهمته ، إنها مختلف الضمانات التي تشعر القاضي والمتقاضي بالأمن والتي وردت بالتشريعات الدولية والوطنية .     إن استقلال السلطة القضائية يعد احد ابرز الضمانات المجسدة  للأمن القضائي ،استقلال يؤدي الى احساس المتقاضين بالأمن القضائي ، والى احساس القضاة انفسهم غير انه بالنسبة للقضاء يظل هذا الاحساس معلقا بعدم وقوع القضاة بخطأ قضائي .               الفقرة الأولى : استقلال السلطة القضائية     نظرا لأهمية مبدأ استقلالية السلطة القضائية فقد نصت عليه مجموعة من الاتفاقات والمواثيق الدولية[2]   حيث نصت المادة العاشرة مثلا من الاعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 على أنه :<< لكل انسان على قدم المساواة أن تنظر في قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظرا منصفا وعلنيا ، للفصل في حقوقه والتزاماته في أية تهمة جنائية توجه إليه.>>    أهمية المبادئ والمرجعية الدولية في استقلالية السلطة القضائية تكمن في كون المغرب في تصدير دستور سنة 2011 يؤكد على تشبت المملكة المغربية بحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا ، كما أنه جعل من الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب ، وفي نطاق احكام الدستور ، وقوانين المملكة وهويتها الوطنية الراسخة تسمو فور نشرها ، على التشريعات الوطنية ، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة .     انسجاما وهذه المقتضيات تضمن دستور 2011 مقتضيات مهمة تتعلق باستقلال السلطة القضائية حيث نجد بالباب السابع منه ما يمكن اعتباره ضمانات مؤسسة لاستقلال القضاة والسلطة القضائية ، والتزامات عليهم تجسيدا لهذا الاستقلال.    ففيما يخص الضمانات فإنها تتمثل فيما يلي : السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية ؛ عدم تلقي القضاة لأي أمر أو تعليمات ولا يخضعون لأية ضغوط ؛ معاقبة كل من حاول التأثير على استقلالية القاضي ؛ المجلس الاعلى للسلطة القضائية هو من يسهر على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة ، ولا سيما فيما يخص استقلالهم وتعيينهم وترقيتهم وتقاعدهم وتأديبهم ؛ المقررات المتعلقة بالوضعية الفردية الصادرة عن المجلس الاعلى للسلطة القضائية قابلة للطعن بسبب الشطط في استعمال السلطة أمام أعلى هيئة قضائية ادارية بالمملكة؛ رئاسة النيابة العامة من الوكيل العام لمحكمة النقض. أما ما يتعلق بالتزامات القضاة في تحقيق استقلال السلطة القضائية فتتمثل فيما يلي : يلتزم القاضي بواجب الاستقلال والتجرد ، ويعد كل اخلال خطأ مهنيا جسيما ، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة ؛ يسعى القضاة الى تحقيق المحاكمة العادلة ؛ الالتزام بواجب التحفظ والاخلاقيات القضائية ؛ يمنع على القضاة الانخراط في الاحزاب السياسية والمنظمات النقابية ؛ وبصفة عامة يتولى القضاة حماية حقوق الاشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون؛ على قضاة النيابة العامة تطبيق القانون ، كما يتعين عليهم الالتزام بالتعليمات الكتابية القانونية الصادرة عن السلطة التي يتبعون لها.     ان استقلالية السلطة القضائية شكلت محورا مهما أثناء الحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة ، جزء من هذه النقاشات تمت ترجمتها الى مواد قانونية بمشروع القانون التنظيمي للنظام الاساسي للقضاة والذي نصت منه المادة 34 على أنه:<< طبقا للفصل 117 من الدستور يجب على كل قاض أن يسهر خلال مزاولة مهامه القضائية على حماية حقوق الاشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون.>>    كما ان مشروع القانون التنظيمي للسلطة القضائية أكد بدوره على استقلالية السلطة القضائية من خلال عدة مقتضيات منها : تأكيد المبدأ الدستوري المنصوص عليه في الفصل 107 من الدستور المغربي على أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية ، والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية ؛ يمارس المجلس الاعلى للسلطة القضائية مهامه بصفة مستقلة ؛ يتمتع المجلس الاعلى للسلطة القضائية بالاستقلال الاداري والمالي ؛ لم يبق وزير بالعدل هو الرئيس المنتدب للمجلس الاعلى للسلطة القضائية ، بل أصبح هو الرئيس الاول لمحكمة النقض ؛ يمنع على أعضاء المجلس اتخاذ أي موقف أو القيام بأي عمل يمكن أن يمس بتجردهم واستقلال المجلس ؛ يسهر المجلس الاعلى للسلطة القضائية على تعزيز استقلالية القضاة وحمايتهم من أي تأثير أو ضغوطات ؛ من حق القضاة الطعن في المقررات المتعلقة

قرار استئنافي الوضعية الادارية

قرار استئنافي الوضعية الادارية المملكة المغربية وزارة العدل محكمة الاستئناف الإدارية  بمراكـش      أصل القرار المحفـوظ بكتابـة الضبـط مربع نص: بـيـن: – ……………………………………………………. والجاعل محل المخابرة معها بمكتب الأستاذ ……………. المحامي بهيئة أكادير. بصفتها مستأنفـة -مـن جهـة-وبـيـن:- ………………….، الساكن ……………………. أكادير. ينـوب عنه الأستاذ …………………… المحامي بهيئة أكاديـر بصفته مستأنفا عليه -من جهة أخرى- بحضـور السـادة: – وزير الداخلية بمكاتبه بالرباط – الوكيل القضائي للمملكة بالرباط – الدولة المغربية في شخص الوزير الأول بالرباط – من جهة أخـرى- القاعـدة: –   تسـويـة الوضعـيـة الفرديـة: – مناط التمييز بين دعوى قضاء الإلغاء ودعوى القضاء الشامل في مجال            الوضعية الفردية هو مصدر الحق المطالب به – كون الحق المدعى به يجد سنده في القانون يجعل المنازعة مصنفة ضمن             القضاء الشامل وهو ما يجعل صاحب الشأن غير مقيد بأي أجل قصد اللجوء          إلى القضاء…..نعـم مربع نص: بتاريـخ: 22 صفـر1430، الموافق 18 / 02 / 2009. أصدرت محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش في جلستها العلنية وهي مؤلفة من السادة: ……………………. رئـيـسا ……………………. مستشـارا مـقـررا ……………………. مستشـارا …………………………. مفـوضا ملكيـا ……………………………….. كاتبـا للضبـط الـقـرار التالـي: مربع نص: رقمه بالمحكمة الإداريـة: 443/2007 رقمه بمحكمة الاستئناف الإدارية:308/8/08-1 المستأنـفة: ……………………… بأكاديـر المستأنـف عليـه: ……………………….. الغـرفـة الأولى مربع نص: قرار رقــم: 86 بتاريـخ: 22 صفر1430 موافـق: 18 فبرايـر2009        باسم جـلالة المـلك        بـنـاء على مقال الاستئناف والحكم المستأنف ومستنتجات الطرفين ومجموع الوثائق المدرجة بالملـف.       وبنـاء على تقرير المستشـار المقرر الذي لم تقع تلاوتـه في الجلسـة بإعفاء                           من الرئيس وعـدم معارضـة الطرفيـن.       وبنـاء على الأمر بالتخلي الصادر بتاريـخ 25/12/2008 والمبلغ بصفة قانونية إلى الطرفين      وتطبيقـا لمقتضيات الفصل134 وما يليه والفصل328 وما يليه والفصل 429 من قانون المسطرة المدنية                والقانون رقم03-80 المحدثة بموجبه محاكم استئناف إداريـة.      وبعد الاستماع إلى مستنتجات السيد المفوض الملكي للدفاع عن القانون والحق والمداولة طبقا للقانـون. الـوقـائـع          وبنـاء على المقال المرفوع بتاريخ 02/09/2008 من طرف …………………… بأكادير بواسطة نائبها والذي تستأنف بموجبه الحكم عدد 309/2008 الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير    بتاريخ 21/05/2008 في الملف عدد 443/2007 والقاضي بالحكم على الوكالة المذكورة بتسوية الوضعية المعاشية للمدعي بتصنيفه بالسلم11 الدرجة 6 ابتداء من 01/01/1997 مع ما يترتب عن ذلك قانونا. وبناء على الاستئناف الفرعي المقدم من طرف السيد …………. بواسطة نائبه ضد نفس الحكم                   المشار إلى مراجعه أعـلاه. 1-   في الشكـل: –  حيث بلغ الحكم الابتدائي إلى الوكالة الطاعنة بتاريخ 04/08/2008 حسب الثابت من طي التبليغ الموجود بالملف فبادرت إلى استئنافه بتاريخ 02/09/2008 أي داخل الأجل المقرر قانونا. –      وحيث قدم الاستئناف علاوة على ذلك ممن له الصفة والمصلحة فيتعين قبوله شكـلا. –      حيث إن الاستئناف الفرعي يعتبر ناتجا عن الاستئناف الأصلي فيتعين قبوله هو الآخر. 2- فيالموضـوع: حيث يؤخذ من وثائق الملف ومن محتوى الحكم المستأنف أنه بتاريخ 10/10/2007                            تقدم السيد……………….. بمقال أمام المحكمة الإدارية بأكادير عرض فيه أنه التحق بالوكالة المستقلة للنقل الحضري بأكادير في إطار الخدمة المدنية ابتداء من 03/12/1982 إلى غاية 02/12/1984 وبتاريخ 03/12/1984     عين مستخدما رسميا بها كرئيس مكتب الموظفين السلم 9 واستمر في هذه المهمة إلى غاية 01/01/1987     حيث تمت ترقيته إلى السلم 10 من الدرجة 2 وعين رئيسا للمصلحة الإدارية واستمر في هذه المهمة               إلى غاية 31/12/2005 تاريخ تمتيعه بالمغادرة الطوعية وأنه بقي مجمدا بالسلم 10 لمدة 19 سنة خاصة         وأنه كان محقا بمجرد ترقيته إلى الدرجة السابعة السلم العاشر بتاريخ 01/01/1997 أن تتم ترقيته إلى السلم 11 الدرجة 6 طبقا للقانون الأساسي للوكالة، وهو الشيء الذي أهملته المدعى عليها رغم مطالباته المتكررة،         وأن النظام الأساسي للوكالة وكذا المرسوم رقم 345-62-2 بشأن النظام الأساسي الخاص بأسلاك             الإدارة المركزية والموظفين المشتركين بالادارات العمومية يخولانه حق الترقية إلى السلم 11 الدرجة 6 والتمس اعتبارا لذلك الحكم بتسوية وضعيته الإدارية والمالية بترتيبه في السلم11 ابتداء من 01/01/1997               إلى 01/01/2006 مع ما يترتب عن ذلك قانونا والحكم بتسوية تعويضه عن المغادرة الطوعية على أساس السلم11 الدرجة 9 والحكم له بالتعويض عن الإهمال والضرر اللاحق به قدره 10.000,00درهم  مع شمول الحكم بالنفاذ المعجل وبغرامة تهديدية قدرها 500,00 درهمعن كل يوم تأخير عن التنفيذ             وتحميل المدعى عليهم الصائر. وأجابت الوكالة المستقلة للنقل الحضري بأن الدعوى غير مقبولة لكون المدعي كان على علم بالقرار الضمني الرافض لتسوية وضعيته دون أن يبادر إلى الطعن فيه داخل الأجل القانوني وفي الموضوع أوضحت             أن النظام الأساسي للوكالة وكذا الرسوم رقم 2.62.345 المحتج بهما لا تنطبق أية حالة ومن الحالات الثلاث الواردة بهما على حالة المدعي كما أن هذا الأخير وقع إشهادا أكد فيه أنه غادر الوكالة طوعا في إطار      المغادرة الطوعية وأنه اطلع على مبلغ التعويض المخول في هذا الباب وقبله وأقر بأنه غير دائن بأي شيء للوكالة بعد تسلمه مبلغ التعويض هذا فضلا عن أن الطلب قد طاله التقادم بمرور سنة والمدة الطويلة التي مرت        على طلباته أثناء اشتغاله لديها أو عندما غادر ها طوعيا والتمست رفض الطلب. وبعد التعقيب وانتهاء الإجراءات قضت المحكمة بالحكم على الوكالة المستقلة للنقل الحضري بأكادير             في شخص ممثلها القانوني بتسوية الوضعية المعاشية للمدعي بتصنيفه بالسلم11 الدرجة 6 ابتداء من 01/01/1997 مع ما يترتب على ذلك قانونا ورفض باقي الطلبات وتحميل المدعى عليها الصائر وهذا هو الحكم المستأنف. في أسبـاب الاستئنـاف الأصلـي: –      حيث ركزت المستأنفة طعنها على الأسبابالتالية: j أن الحكم الابتدائي قضى لفائدة المدعي بتسوية وضعيته رغم تقادم طلبه طبقا لأحكام الفصل 388 من ق.ل.ع وكذا مقتضيات مدونة الشغل. k أن المحكمة استجابت للطلب رغم أن الدعوى غير مقبولة باعتبار أن المستأنف عليه سبق له أن تقدم         بنفس الطلب إلى الإدارة غير أنها لم ترد عليه الشيء الذي يعد رفضا ضمنيا ولم يبادر مع ذلك إلى الطعن فيه بالإلغاء داخل الأجل المقرر قانونا وأن محكمة الدرجة الأولى لم ترد على هذا الدفع المشار أمامه لا بالسلب      ولا بالإيجـاب. l أن المستأنف عليه أسس طلبه على مقتضيات المرسوم عدد 2.62.345 الصادر بتاريخ 08/07/ 1963 والمتعلق بالنظام الأساسي الخاص بأسلاك الإدارة المركزية والموظفين التابعين للإدارات العمومية               وكذا على النظام الأساسي للوكالة المستقلة للنقل الحضري والحال أنه ليس بخريج السلك العالي ولا هو          بحامل لدبلوم الدراسات العليا ولا هو مختار من طرف الإدارة ولا تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها بموجب النظام الأساسي للوكالة. m أن المستأنف عليه وبعدما صدر لفائدته القرار رقم 873 بتاريخ 29/11/2005 والذي تمت إحالته بمقتضاه  على التقاعد النسبي واستفاد من المغادرة الطوعية وتمتع بكل الحقوق المخولة له قانونا وسلم للوكالة إشهادا أكد فيه أنه غادر العمل لديها في إطار المغادرة الطوعية وأنه اطلع على مبلغ التعويض المخول له والذي قبله وأقر بأنه غير دائن للوكالة بأي شيء بعد تسلمه مبلغ التعويض. والتمست اعتبارا لذلك إلغاء الحكم المطعون فيه والحكم من جديد بسقوط حق المستأنف عليه بالتقادم عملا بمقتضيات الفصل 388 من ق.ل.ع

مسطرة المنازعة الضريبية

مسطرة المنازعة الضريبية مسطرة المنازعة الضريبيةمن إنجاز : ذ- عبد الواحد القريشيدكتور في الحقوق      ينص الفصل 39 من الدستور المغربي على أنه : ” على الجميع أن يتحمل كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها حسب الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور” .وتبعا لذلك فإن عدة نصوص قانونية صدرت لتنظيم كيفية مساهمة المواطن في التكاليف العمومية، وذلك إما بفرض ضرائب معينة أو رسوم، كما أن العديد من المؤسسات تتدخل لتنفيذ مقتضيات هذه القوانينبالإضافة إلى أن المواطنة الحقة تفترض أن يؤدي جميع أفراد المجتمع واجباتهم بالموازاة مع المطالبة بالاستفادة من الحقوق المخولة لهم.ولما كان هذا الأمر يختلف من فرد إلى آخر، كما أن تطبيق القوانين بصفة عامة وتطبيق النصوص المتعلقة بالضريبة وأداء الرسوم أبان عن تهرب العديد من الأشخاص عن أداء الضرائب المفروضة عليهم أو استعمال الحيل للإفلات منها، و أبان أيضا على أن الإدارة المكلفة بفرض الضريبة أو الرسوم أو احتسابها أو حتى أثناء استخلاصها قد تخطئ، إذ يتضح ذلك مثلا عندما يتعلق الأمر بتدخل إدارة الضرائب لتصفية الرسوم التكميلية عن الأرباح المتعلقة ببيع العقارات حيث تجد أن كل طرف يتشبث بدفوعاته ووجهة نظره أو أثناء استخلاص إحدى الضرائب.وهذا ما يبرز ضرورة وأهمية إيجاد جهاز مستقل ألا وهو جهاز القضاء الإداري للنظر في مثل هذه القضايا إذا ما ظهرت هناك منازعة في الميدان الضريبي ما بين الإدارة والمواطن.وهو ما يبرز أيضا أهمية التطرق لموضوع مسطرة المنازعة الضريبية وذلك بالاعتماد على النصوص القانونية وعلى ما أتاحه الاجتهاد القضائي المغربي حول هذا الموضوع مع تبيان الشكليات المسطرية للمنازعة التي تثار قبل وأثناء اللجوء إلى المحكمة المختصة وذلك وفق التصميم الآتي : المبحث الأول : المسطرة الإدارية للمنازعة الضريبيةالفقرة الأولى : مسطرة المادة 220 من المدونة العامة للضرائبالفقرة الثانية : مسطرة المادة 235 من المدونة العامة للضرائبالمبحث الثاني : مسطرة المنازعة أمام اللجنة المحلية والوطنيةالفقرة الأولى : مسطرة المنازعة أمام اللجنة المحلية الفقرة الثانية : مسطرة المنازعة أمام اللجنة الوطنية المبحث الثالث : المسطرة القضائية للمنازعة الضريبيةالفقرة الأولى : المسطرة القضائية على إثر مراقبة الضريبةالفقرة الثانية : المسطرة القضائية على إثر مطالبة إدارية المبحث الأول : المسطرة الإدارية للمنازعة الضريبيةيطرح العقار بالمغرب العديد من الإشكالات القانونية والعملية، كما أن حب تملك العقار لا يرجع بالأساس إلى قيمته المادية وإنما أيضا يرجع أيضا لما هو ثقافي.ولقد أثر هذا الواقع على عمليات انتقال العقارات بالبيع والشراء أو التفويت وغيرها إلى درجة إبرام عقود صورية أو الاجتهاد في ابتكار حيل للتهرب الضريبي، و هو الأمر الذي ينطبق إلى حد كبير على الإقرار بالدخل الحقيقي لكل مواطن ومدى اقتناعه بأداء الضريبة المستحقة عليه.وبالمقابل فقد لجأ المشرع إلى سن نصوص تشريعية انطلاقا من إجبارية تسجيل الاتفاقات والمحررات الخاضعة لإجراء التسجيل إلى إمكانية مراقبة الأثمان أو التصريحات التقديرية المضمنة بالعقود أو التصريحات ، وكذا الإقرارات المتعلقة بالدخل،والاهم من ذلك انه تطرق بشكل دقيق إلى مسطرة المنازعة التي قد تحصل بمناسبة أو أثناء تحصيل الضرائب أو الواجبات التكميلية وعبر مراحل متتالية.الفقرة الأولى : مسطرة المنازعة وفق المادة 220 من المدونة العامة للضرائب نصت المادة 220 من المدونة العامة للضرائب على أنه : ” يمكن لمفتش الضرائب أن يدعو إلى تصحيح : الفقرة الثانية: مسطرة المادة 235 من المدونة العامة للضرائب بالرجوع إلى المادة 235 نجدها تنص على أنه : ” يجب على الخاضعين للضريبة الذين ينازعون في مجموع أو بعض مبلغ الضرائب والواجبات والرسوم المفروضة عليهم أن يوجهوا مطالباتهم إلى مدير الضرائب أو الشخص المفوض من لدنه لهذا الغرض : 1- في حالة أداء الضريبة بصورة تلقائية خلال الستة أشهر الموالية لانصرام الآجال المقررة.2- في حالة فرض ضريبة عن طريق جداول أو قوائم الإيرادات أو أوامر بالاستخلاص خلال الستة أشهر الموالية للشهر الذي يقع فيه صدور الأمر بتحصيلها.يتولى الوزير المكلف بالمالية أو الشخص المفوض من لدنه لهذا الغرض البت في المطالبة بعد البحث الذي تقوم به المصلحة المختصة.إذا لم يقبل الخاضع للضريبة القرار الصادر عن الإدارة أو في حالة عدم جواب هذه الأخيرة داخل أجل الستة أشهر الموالية لتاريخ المطالبة وجبت متابعة الإجراءات وفقا لأحكام المادة 243 أدناه.لا تحول المطالبة دون التحصيل الفوري للمبالغ المستحقة وان اقتضى الحال الشروع في مسطرة التحصيل الجبري مع مراعاة استرداد مجموع أو بعض المبالغ المذكورة بعد صدور القرار أو الحكم”.فبقراءة مقتضيات المادة أعلاه وخاصة الفقرة الأولى منها نجد أنها ألزمت الملزم الذي ينازع في مبلغ الضريبة أو الواجبات أو الرسوم المفروضة عليه ألا يتوجه إلى المحكمة إلا بعد تقديم مطالبته إلى مدير الضرائب أو الشخص المفوض له لهذا الغرض.وهذا ما يؤدي بنا إلى التساؤل عن أثر إغفال الملزم لهذا المقتضى وهل يؤدي إغفال القيام بالمطالبة الإدارية إلى عدم قبول الدعوى؟يبدو أن الاجتهاد القضائي الإداري المغربي سار في اتجاه إعفاء المدعي من سلوك مسطرة المطالبة الإدارية فقط في حالة منازعته جديا حول خرق مسطرة فرض أو تصحيح الضريبة المتنازع عنها بشأنها، وحول حالة المنازعة في صفته كملزم بالضريبة .وهكذا فإن القضاء الإداري وفي إطار التعامل بنوع من المرونة مع شكليات التقاضي نشير إلى إمكانية استناد الملزم في إطار الدفاع عن قبول دعواه إلى ما يلي:الحالة الأولى : إمكانية الطعن عبر دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة وذلك ضد القرارات المنفصلة عن ربط الضريبة، وحتى عند منازعة الطاعن في صفته كملزم أصلا وهذا ما جاء في قرار الغرفة الإدارية عدد 1140/15/98 المشار إليه أعلاه.الحالة الثانية : ويتعلق الأمر بكون القضاء الإداري قد يغض الطرف عن إلزامية تقديم المطالبة الإدارية إلى إدارة الضرائب إذا تمت خارج الأجل وهذا ما جاء بقرار الغرفة الإدارية للمجلس الأعلى ” حيث لئن كانت المادة 114 من القانون المنظم للضريبة العامة على الدخل توجب تقديم تظلم إداري يسبق الطعن القضائي الذي يجب ممارسته داخل آجال معينة من جواب الإدارة على التظلم فإن الفقرة الثالثة من المادة المشار إليها تقضي بأن تقديم الطعن القضائي يكون داخل الشهر الموالي من تاريخ تبليغ الإدارة قرارها بالرفض إلى المتظلم وحيث إن طعن المدعى المستأنف مؤسس على جواب مديرية الضرائب الجهوية بفاس المؤرخة في 23/11/1999 المرفق، وهو الجواب المتضمن لرفض التظلم في الضرائب المتنازع فيها ولا دليل على تاريخ تبليغ هذا الجواب فكان الطعن المقدم لذلك بتاريخ : 18/12/1999 واقعا داخل الأجل القانوني ولم يكن الحكم المستأنف على صواب عندما اعتمد على تاريخ التظلم لحساب أجل الطعن رغم جواب الإدارة الذي لم يتضمن أي تحفظ لوجود أي رفض سابق على رفضها المشار إليه”.وتبعا لما سبق فإننا نود الإشارة إلى ما يلي : 1- إن ما يمكن اعتباره إبداعا أو اجتهادا قضائيا نحو تعزيز الضمانات المخولة للملزمين والمشار إليها أعلاه قد لا يسعف للحسم في القول بقبول الدعوى شكلا

تجليات الأمن القضائي في مشروع قانون التنظيم القضائي​

تجليات الأمن القضائي في مشروع قانون التنظيم القضائي     اهتمت العديد من الخطب الملكية بإصلاح القضاء ، ومنذ فجر الاستقلال تعددت المبادرات الاصلاحية ، ولم تشمل هذه المبادرات جهاز القضاء فقط ، بل اهتمت بالمهن القضائية والنصوص القانونية .    ومن أهم المبادرات الإصلاحية في هذا الشأن نجد الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة الذي تم بمقاربة تشاركية وبتدخل مختلف شرائح المجتمع ، وقد خلص الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة إلى ميثاق وطني تضمن العديد من التوصيات التي تروم الرقي بمستوى العدالة ببلادنا.    وتبعا لذلك فقد شكل تعديل القوانين الأساسية المتعلقة بجهاز القضاء أحد المحاور الاساسية التي انكبت على إصلاحها السلطة الحكومية المكلفة بالعدل ، وهكذا عرض على البرلمان النظام الأساسي للقضاة ،القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية …،كما صادق المجلس الحكومي مؤخرا على مشروع قانون التنظيم القضائي [1]     إصلاح منظومة العدالة يتلاءم ودستور 2011 والذي عزز مكانة السلطة القضائية وأولاها مهاما جسيمة أهمها ما نص عليه الفصل 117 والذي جاء فيه : << يتولى القاضي حماية حقوق الاشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي ، وتطبيق القانون >>      مفهوم الأمن القضائي تم التأكيد عليه  في المادة 34 من مشروع قانون التنظيم القضائي التي نصت على أنه :<< يمارس القضاة مهامهم باستقلال وبتجرد ونزاهة واستقامة ضمانا لمساواة الجميع أمام القضاء ، وحماية لحقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي .   يمارس موظفو هيئة كتابة الضبط مهامهم بتجرد ونزاهة واستقامة>>        إن الأمن القضائي يحيل إلى دور القضاء بمختلف مكوناته مدنيا دستوريا ، اداريا ، جنائيا وتجاريا ، إلى إقرار الحق وضمان التطبيق السليم للنصوص القانونية ، وإلى جودة العمل القضائي التي تنطلق من تدبير القضايا والبت فيها، إلى تنفيذها والمساهمة في خلق القاعدة القانونية ، ليس هذا فقط بل يحيل أيضا إلى تلك الشروط والضمانات التي تحيط بالقاضي وهو يؤدي مهامه ،الضمانات التي تحيط بالمتقاضي وهو يبحث عن تحقيق العدالة في قضيته ، فالأمن القضائي كما يرتبط بجودة النص القانوني الضامن للحق ، يرتبط أيضا بالقانون الاجرائي .     مفهوم الأمن القضائي  يتسع ليشمل محيط القاضي وسلطته التقديرية في البت في القضايا، وقدرته على الاجتهاد تحقيقا للعدالة أحيانا حتى ولم تسعفه النصوص القانونية .     في ضوء ما سبق هل سيساهم مشروع قانون التنظيم القضائي في تحقيق الأمن القضائي؟ وبعبارة أخرى وانطلاقا من مشروع قانون التنظيم القضائي ما هي المقتضيات القانونية التي من شأنها أن تساعد على تحقيق الأمن القضائي ؟            المبحث الأول : الأمن القضائي على المستوى الإجرائي    أكد الدستور على أن من المهام الأساسية للقضاء هي حماية حقوق الاشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي ،كما أن الفصل 118 من الدستور المغربي ينص على أن : << حق التقاضي مضمون لكل الشخص للدفاع عن حقوقه وعن مصالحه التي يحميها القانون>>    وانسجاما مع هذا المقتضى فإن بداية ضمان هذه الأهداف تنطلق من تسهيل الولوج إلى المحاكم وتقريب هذه الأخيرة من المتقاضين ، بالإضافة إلى إحداث محاكم متخصصة كفيلة بالبت بالجودة المطلوبة في مختلف النزاعات .    فإلى أي حد تضمن مشروع قانون التنظيم القضائي هذه الاجراءات باعتبارها ضرورية لتحقيق شق مهم من الأمن القضائي .             الفقرة الأولى : تسهيل الولوج للمحاكم     بقراءة مشروع التنظيم القضائي للمملكة نجد أن مجموعة من المواد تضمن تسهيل الولوج للمحاكم ، والذي لا يقتصر فقط على شبابيك الاستقبال وتحسين الولوجيات بل يمتد مفهوم الولوج إلى المحاكم ليشمل التمكين من الولوج إلى الحق داخل المحكمة.    وهكذا نصت المادة 35 من مشروع قانون التنظيم القضائي على أنه :<< يسهر مسؤولو المحاكم على تحسين ظروف استقبال الوافدين عليها ، وتيسير ولوج الاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لخدماتها ، والتواصل مع المتقاضين بلغة يفهمونها ، وتيسير الوصول إلى المعلومة القانونية والقضائية طبقا للقوانين الجاري بها العمل ، وتمكين المتقاضين من تتبع مسار إجراءات قضاياهم عن بعد  في احترام تام للمعطيات الشخصية للأفراد وحمايتها.    يعتبر كل مسؤول قضائي أو من ينيبه عنه ، ناطقا رسميا باسم المحكمة كل فيما يخص مجاله ، ويمكنه عند الاقتضاء ، التواصل مع وسائل الاعلام وتنوير الرأي العام .>>             أولا :  تسهيل ظروف الاستقبال     نظرا لأهمية حقلة التواصل الأولى بين المرتفق والمحكمة فقد نصت المادة 35 على أن يسهر على هذه العملية مسؤولو المحاكم ،ونظرا لأهمية هذه الحلقة فقد عملت وزارة العدل والحريات على بذل جهود على هذا المستوى وخلق برنامج معلوماتي يهم هذه العملية ، غير أنه بدل أن تسهل هذه العملية الولوج إلى المحكمة حصل العكس حيث فرضت بعض المحاكم ولوج المحكمة بالإدلاء بالبطاقة الوطنية للتعريف وتسجيلها والاحتفاظ بها وعدم تسليمها للمرتفق إلا عند مغادرته للمحكمة ، وربط الاستقبال بسبب الزيارة والمكتب أو الشخص الذي يرغب في زيارته ، بالإضافة إلى المشاكل المتعلقة بالتواصل وهو الأمر الذي لم يلاق استحسانا من قبل بعض المرتفقات والمرتفقين لهذا الإجراء خاصة عندما يكون عدد الوافدين كثيرا وتؤدي هذه العملية الى التأخر والانتظار سواء أثناء تقديم البطاقة أو عند تسلمها .    وهي أساليب وإن كانت تروم تنظيم المحاكم أو الاستناد إليها في تشخيص وضعية الاستقبال مستقبلا فإننا نعتقد بعدم صلاحيتها على هذه الصيغة .        ثانيا : لغة التقاضي والتواصل     نصت المادة 14 من مشروع قانون التنظيم القضائي على أنه : << تظل اللغة العربية لغة التقاضي والمرافعات وصياغة الأحكام القضائية أمام المحاكم ، مع العمل على تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية طبقا لأحكام الفصل 5 من الدستور.     مع مراعاة مقتضيات الفقرة الأولى أعلاه، يجب تقديم الوثائق والمستندات للمحكمة باللغة العربية أو مصحوبة بترجمتها لهذه اللغة  مصادق على صحتها من قبل ترجمان محلف،كما يحق للمحكمة ولأطراف النزاع أو الشهود الاستعانة أثناء الجلسات بترجمان محلف تعينه المحكمة أو تكلف شخصا بالترجمة بعد أن يؤدي اليمين أمامها >>    وهكذا يمكن إبداء الملاحظتين التاليتين : إن هذه المقتضيات إيجابية و تعد تفعيلا للفصل الخامس من الدستور الذي ينص على أنه << تظل العربية اللغة الرسمية للدولة .    وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها ، وتنمية استعمالها.         تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة ، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة دون استثناء.   يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ،وكيفيات إدماجها في مجال التعليم ، وفي مجال الحياة العامة ذات الأولوية ، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية …>> إن هذه المقتضيات المتعلقة باللغة تضمن حق التقاضي بلغة يفهمها المتقاضي مدعيا أو مدعى عليه ، وتلامس أحد العناصر المكونة لتحقيق الأمن القانوني والأمن القضائي ، وهي خاصية الوضوح : وضوح القاعدة القانونية التي تنظم حقا من جهة ، وتسهيل الوصول إلى

مرتكزات الحكامة في الدستور المغربي​

مرتكزات الحكامة في الدستور المغربي     مرتكزات الحكامة في الدستور المغربي   د – عبد الواحد القريشي   أستاذ باحث في القانون العام   كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس            تناولت العديد من الكتابات موضوع الحكامة بالدراسة والتحليل ، وهو أمر نخاله طبيعيا نظرا لأهمية هذا الموضوع و لارتباطه بمختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وبذلك تم الحديث عن الحكامة الاقتصادية ،الحكامة الإدارية ، الحكامة القضائية ، الحكامة الترابية ، الحكامة الأمنية …وغيرها من المفاهيم التي تؤكد أهمية الحكامة ومركزيتها في تدبير الشأن العام.      مصطلح الحكامة وإن تعددت التعاريف التي أعطيت له حسب تخصص الباحث أو حقل عمل الهيئة فإن لا خلاف أن مصطلح الحكامة يحيل إلى :   التدبير الجيد لا السيء أو الفاسد سواء تعلق الأمر بهيئة عمومية أو تابعة للقطاع الخاص؛ الحكامة تتحقق بتظافر مختلف مكونات الهيئة أو المؤسسة ؛ تهم الحكامة كل حلقات التدبير انطلاقا من التفكير أو الاقتراح لاتخاذ قرار أو القيام بمشروع معين إلى غاية التنفيذ والتقييم؛ ترتبط الحكامة ارتباطا وثيقا بالسياسات العامة ؛ الحكامة من حيث الممارسة لا يمكن ربطها بالعصر الحديث ، بل هي ممارسة انسانية ترتبط بتاريخ البشرية وبالفكر الانساني الرامي تحقيق المصلحة من زوايا متعددة…      الحكامة إذن هي كما عرفتها منظمة الأمم المتحدة والتي تختزل في شمولية تامة جميع المكونات والمجالات الأساسية لهذا المفهوم، باعتباره : الأسلوب التشاركي للحكم ولتدبير الشؤون العامة الذي يرتكز على تعبئة الفاعلين السياسيين والاقتصاديين و الاجتماعيين، سواء من القطاع العام أو من القطاع الخاص وكذلك من المجتمع المدني، بهدف تحقيق العيش الكريم المستدام لجميع المواطنين.[1]      وهي كما يؤكد البنك الدولي البحث عن ممكنات تحقيق التنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد في الدول النامية وخصوصا الدول الافريقية ،ليتم الربط بيت تأهيل الادارة الحكومية والنمو الاقتصادي .[2]          وبغض النظر عن العديد من التعاريف التي تصب في نفس السياق ، فإنه بقراءة الدستور المغربي الجديد [3] نجد أن مجموعة من الفصول اعتمدت في صياغتها على الحكامة كآلية للتدبير ، بل الأكثر من ذلك أن الفصل الأول اعتبر أن النظام الدستوري للمملكة يقوم على أساس فصل السلط وتوازنها وتعاونها و الديمقراطية المواطنة والتشاركية و على مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة .        مجوعة من التعاريف تتفق حول المرتكزات الأساسية  للحكامة وهي تلك المتمثلة في : سمو القانون اعتماد اللامركزية المساءلة والمحاسبة دعم قيم الشفافية والنزاهة دسترة مشاركة المواطنات والمواطنين       ماذا إذا عن تجليات هذه المرتكزات في الدستور المغربي علما أن هذه المرتكزات ليست الوحيدة التي تضمنها الدستور؟   أولا : سمو القانون      نص الفصل السادس من الدستور على أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة والجميع أشخاصا ذاتيين واعتباريين بما فيهم السلطات العمومية متساوون أمامه،وملزمون بالامتثال له .   تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين ، والمساواة بينهم ، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية .   تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها ووجوب نشرها ، مبادئ ملزمة ، ليس للقانون أثر رجعي.      جاء هذا الفصل بقواعد جد هامة وذات أهمية بالغة .      1 – القانون أسمى تعبير عن إرادة الأمة؛      2 – تكريس مبدأ المساواة؛      3 – دسترة مشاركة المواطنات والمواطنين؛      4 – عدم رجعية القانون؛      5- دعم الحقوق و الحريات.      بالرجوع إلى تصدير الدستور نجده ينص على مكانة الاتفاقيات الدولية المصادق عليها والمنشورة بالجريدة وهي مسألة طالما ثار نقاش بصددها ، تلك المتعلقة بسمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية [4]، حيث جاء في التصدير أن الاتفاقيات الدولية كما صادق عليها المغرب ، وفي نطاق أحكام الدستور ، وقوانين المملكة ، وهويتها الوطنية الراسخة ،تسمو فور نشرها على التشريعات الوطنية والعمل على ملاءمة هذه التشريعات مع ما تتطلبه تلك المصادقة .        الأمر إذن أصبح موكولا إلى الاجتهاد القضائي وإلى مذكرات الدفاع التي من شأنها أن تثير مقتضيات الاتفاقيات الدولية بصدد النظر في قضية معينة ، ومن جانب آخر فإن لهيئات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية دورا أيضا في المطالبة بالمصادقة على الاتفاقيات الدولية التي تدعم الحقوق والحريات وتكرس مسار بناء دولة الحق والقانون .      المصادقة على الاتفاقيات الدولية بطبيعة الحال يجب أن تراعي الهوية الوطنية للدولة المغربية وهو شرط لا محيد عنه التزاما بالنص الدستوري أولا وللرقي بالتدبير القانوني للشأن العام وبالتركيز على القضايا الحقيقية للمجتمع ثانيا.      إن قضية الرقي بالنقاش العمومي وبتدبير الشأن العام لا تتوقف على هيئة دون أخرى ، إذ من الواجب أن تساهم فيها مختلف شرائح المجتمع انطلاقا من المواطن باعتباره فردا وناخبا إلى جمعيات المجتمع المدني والأحزاب السياسية وكذا الهيئات الرسمية سواء على المستوى المركزي أو اللامركزي.   ثانيا : اعتماد اللامركزية         جاء في الفقرة الأخيرة من الفصل الأول من الدستور أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي ، يقوم على الجهوية المتقدمة .     ومما يؤكد تبني نظام اللامركزية نجد أن الدستور المغربي خصص الباب  التاسع للجهات والجماعات الترابية من الفصل 135 إلى 146، حيث تضمن مجموعة من المبادئ التي من شأنها تحقيق المغزى من اعتماد هذا النظام وذلك بالمساهمة الفعالة في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة.   مع الإشارة إلى أن للحكامة دورا مهما في تحقيق هذه التنمية[5]    ومن جملة المبادئ التي تضمنها الفصل التاسع نجد ما يلي :   1 – تحديد نوع الجماعات الترابية للمملكة بنص القانون ؛   2 – التسيير الديمقراطي لشؤون الجماعة ؛   3 – تمكين المواطنين من المشاركة في التدبير الجماعي ؛   4 – مساهمة الجماعات الترابية في تفعيل السياسات العامة للدولة وفي إعداد السياسات الترابية ؛   5 – اعتماد توزيع الاختصاصات بين الجماعات الترابية والدولة على مبدأ التفريع ؛   6 – للجهات والجماعات الترابية سلطة تنظيمية تمارسها داخل اختصاصها الترابي؛   7- تبني التعاون والتضامن بين الجهات والتعاضد في البرامج والوسائل ، مع الربط بين الاختصاصات المنقولة من الدولة إلى الجهات أو إحدى الجماعات الترابية بالموارد الكفيلة بانجازها؛   8 – خضوع الجهات والجماعات الترابية للمراقبة الإدارية للسادة الولاة والعمال ،مع الإشارة إلى أن العاملين بهذه الهيئات اللامركزية يخضعون للسلطة الرئاسية لرئيس كل هيئة [6].       غير أن خضوع الجهات والجماعات الترابية للرقابة الإدارية يجب ألا يتعارض ومبدأ التدبير الحر الذي يتعارض والوصاية الإدارية المشددة سواء على الأشخاص أو على الأعمال ، وسواء تعلق الأمر برقابة المشروعية أو الملاءمة،على

دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون​

دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون ملخص أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون مقاربة سوسيوقانونية من خلال دعوى الالغاء بسبب تجاوز السلطة[1] إعداد: د /عبد الواحد القريشي أستاذ باحث كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أولا: تقديم أولي.                 يمكن تعريف دولة الحق و القانون بأنها تلك الدولة التي تخضع فيها السلطة العمومية للقانون، و قد ذهب الفقيه HANS KELESEN إلى اعتبارها بأنها الدولة التي تخضع فيها القواعد القانونية لتراتبية هرمية بشكل يحدد قوة كل قاعدة حسب موقعها،        و مدى مطابقتها للقاعدة الأسمى[2].          إن دولة الحق و القانون لا يمكن أن تتحقق بخضوع السلطات العمومية للقواعد القانونية ، و احترام تدرج القواعد القانونية فقط بل تفرض أيضا احترام حقوق الأفراد والجماعات، واحترام أنظمة المؤسسات و استمراريتها وهو ما يصطلح عليه بدولة الحق والمؤسسات.               كما يفترض في دولة الحق و القانون أن تحرص على مساواة المواطنين          و الإدارات  “Les sujets du droit ” أمام القواعد القانونية بالإضافة إلى ضمان قضاء مستقل و فعال[3].               و يعد جهاز القضاء أو السلطة القضائية ذا أهمية بالغة نظرا للدور الموكول إليه في حل النزاعات بين الأفراد أو الإدارات بالشكل الذي يضمن المساواة و احترام مبدأ المشروعـــــــــــية” principe de la légalité ” هذا المبدأ الذي يعد أهم مبدأ منظم للقانون الإداري .                 و إذا كانت استقلالية القضاء هي إحدى دعائم دولة الحق و القانون فإن هذا القضاء لا يمكن أن يكون فعالا إلا إذا كان متخصصا حسب مادة المنازعة أو الدعوى المعروضة عليه،و من تم تبدو مكانة وجود قضاء إداري يعطي للتمييز بين المنازعات الإدارية و المنازعات العادية أهميته[4].             و إذا كان القضاء الإداري هو نتاج سياق سوسيوسياسي و تاريخي حدد معالمه، فإن من المهم التأكيد على أن أي نظام قضائي إلا و يتأثر بنوعية النظام السياسي السائد.              و التجربة المغربية لم تحد عن هذه القاعدة، إذ عرف المغرب بوادر قضاء إداري قبل ظهير التنظيم القضائي لسنة 1913 ليتطور مع هذا الظهير خاصة دعاوى المسؤولية الإدارية التي شكلت نوعا من المراقبة القضائية للأعمال الإدارية، هذه المراقبة التي توسعت عبر دعوى الإلغاء منذ سنة 1928 لصالح الموظفين في الإدارات الفرنسية،و أمام مجلس الدولة كلما تعلق الأمر بتطبيق نظامهم الأساسي[5].            و مع إحداث المجلس الأعلى توسع مجال مراقبة القضاء المغربي عبر قضاء الإلغاء الذي اختصت به المحاكم المدنية، و المجلس الأعلى إلى أن أعيد توزيع الاختصاص بمقتضى قانون   41 – 90 المتعلق بإحداث المحاكم الإدارية.           إن إحداث المحاكم الإدارية وكذا محاكم الاستئناف الإدارية[6] لا يمكن النظر إليه على أنه حدث قانوني محض عزز جهاز القضاء الإداري المغربي فقط ،بل إنه يرتبط حثما بالتحولات التي يعرفها المغرب و خاصة على المستوى الحقوقي، الاجتماعي و السياسي    و حتى على مستوى المتغيرات الدولية من ناحية تأثره بها.          و لما كان من بين الأهداف التي أحدثت من أجلها المحاكم الإدارية بما تعني تعزيز جهاز قضائي إداري متخصص هو تدعيم بناء دولة الحق و القانون، فهل استطاع هذا القضاء المساهمة في تحقيق هذا الهدف؟ وعلى اعتبار ان العديد من الباحثين يعتبر أن غاية دولة الحق و القانون هي حماية الحقوق و الحريات، فإنه من المهم الإشارة إلى أن تحقيق هذه الغاية يتم في جزء كبير منه عبر دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة.         و إيمانا منا بأن التطبيقات القضائية تعكس إلى حد بعيد مكانة الجهاز القضائي       و مدى تفاعله و قدرته على النهوض بالمجتمع و رقيه، فقد وقع اختيارنا على القيام بمقاربة سوسيوقانونية من خلال تطبيقات دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة لدور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون.         و إذا كان هذا المفهوم قد ظهر في كتابات الفقهاء الألمانيين أولا، ثم استقبله الفقهاء الفرنسيون بنوع من التحفظ، إلى أن توسعت مناقشته من طرف مختلـــــف شرائح المجـــــتمع، فان له ارتباطا وثيقا بفكرة الديمقراطية وممارسة السلطة السياسية، وهو يحيل إلى عكس ما يسمى بدولة الشرطة أو دولة الضبط الإداري، والتي تعني أن للإدارة سلطة مطلقة لمواجهة الأوضاع الاجتماعية، حيث يتم اتخاذ الأوامر و التدابير اللازمة وبدون تقيد وفي جميع المياديــــــــــــن[7] ،بخلاف دولة الحق و القانــــــــون التي تحيل إلى نمــــوذج متقدم من الدولة التي ترتبط بالقـــانون والخضوع له، وتحمى في ظلها الحقوق و الحريات .            وعموما فانه لا يمكن القول بأن دولة معينة هي دولة للحق و القانون إلا بتوفر مقومات أساسية يمكن إيجازها فيما يلي:                         أ – وجود قانون يحمي  الحقوق و الحريات و يضمن ممارستها و يخضع كل نشاط لمبدأ تدرج القواعد القانونية.                         ب – وجود نظام سياسي قائم على مبدأ الفصل بين السلط، و آليات انتقال السلطة.                         ج – وجود جهاز قضائي مستقل وفعال لضمان تطبيق القانون ومراقبة سلامة تطبيقه يخضع لرقابة كل من المواطن والإدارة.    د- وجود مواطن واعي: مؤد لوا جباته وواع بحقوقه .  ثانيا : دواعي اختيار البحث :            إن اختيارنا لموضوع ” دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون مقاربة سوسيو قانونية من خلال دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة ”  لم يكن وليد ظرفية آنية بقدر ما كان وليد تفكير مستمر،  و استمرارا لموضوع بحث نيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة الذي كان عنوانه : ” تطبيقات دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة بالمحكمة الإدارية بمراكش ” إضافة إلى اهتمامنا وانشغالنا بالقضاء الإداري.             و قد تعزز لدينا هذا الدافع الذاتي بدافع علمي موضوعي يتجسد فيما وقفنا عليه لدى جردنا للبحوث السابقة المنجزة حول نفس الموضوع إن من الجانب السوسيولوجي أو القانوني، حيث تبين من خلال الإطلاع على هذه البحوث أنها تغافلت البحث في التطبيقات القضائية للمحاكم الإدارية و للمجلس الأعلى و للعوامل المؤثرة و الظروف المحيطة، و في الآليات الكفيلة بحسن الأداء و المرودية .             لذلك و استجابة لما سبق اخترنا هذا الموضوع آملين أن نقدم من خلاله إضافات تخدم الجوانب المغيبة في مجال دور القضاء الإداري المغربي في بناء دولة الحق و القانون انطلاقا من وسيلة أساسية ألا و هي دعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة على اعتبار أن هذه الأخيرة  تشكل نقطة وصل بين امتيازات الإدارة و حقوق و حريات المواطن و دور القضاء الإداري. ثالثا : أهــمــيـة الـبـحـث.              تكمن أهمية هذا الموضوع في أنه يعطي إطارا نظريا لمفهوم دولة الحق و القانون،   و لدور القضاء الإداري المغربي، و ذلك انطلاقا من آراء الفقه و الاجتهاد القضائي.              كما يحاول هذا الموضوع الإحاطة أيضا بكل ما يتعلق بدعوى الإلغاء بسبب تجاوز السلطة و أهميتها و خصوصيتها انطلاقا من نفس المنظور.             و

هذا المحتوى محمي
Scroll to Top